لم تغب قضية وحدة التيار الإسلامي في السودان على مختلف تمظهراته يوما عن التفاعلات اليومية في المشهد السياسي السوداني، الا ان المساعي المبذولة لتلك الغاية لم تتجاوز خانة الاشواق الى ساحات العمل الجاد، رغم ما يقول به بعض المراقبين من ان القراءات العميقة للتطورات في الداخل والتطورات في الخارج تدفع في هذا الاتجاه، فداخليا لم يعد مفهوما للقواعد ان يستمر الخلاف بين الاسلاميين فيما تواجه التجربة نفسها مهددات بالفناء، وخارجيا احدث صعود الاسلاميين الى السلطة في بلدان كثيره في مقدمتها « مصر»، تفاعلات وطرح اسئلة ملحة. صحيح ان هنالك اكثر من جهة دعت الى الوحدة في اطارات اوسع مثل لجنة جمع الصف الوطني برئاسة المشير سوار الدهب، او اضيق على نطاق المؤتمرين الشعبي والوطني، على شاكلة مبادرات القرضاوي ودولة قطر، فضلا عن جهود منسوبي الحركة الاسلامية بالداخل، ومنهم الراحل مجذوب الخليفة ود. غازي صلاح الدين وغيرهم مثل مصطفى عثمان؛ الا ان المحصلة لكل هذا وذاك امام الرأى العام كانت اوراقاً مكتوبة يتنازع كلا الطرفين فيها حماية القيم الدينية ودرء مخاطر انهيار المشروع الى الابد. على ان الجديد في هذه القضية كان مبادرة «محاربي الحركة الاسلامية» الى التجمع اواخر الاسبوع الماضي، وهي الخطوة التي حملت معها مؤشرات الى ان قرار « الوحدة» لم يعد قاصرا على القيادات، وان اشواق القواعد التي قادت المقاتلين السابقين ل» نصرة الحق وانزال المشروع الحضاري على ارض الواقع»، قد تنطلق من اسارها في وقت ما. وهذه المعاني عبر عنها بالامس القيادي بالمؤتمر الوطني د. قطبي المهدي، فقد اشار صراحة الى ان تجمع «المقاتلين كان « تعبيرا عن اشواق القواعد الى الوحدة»، معربا عن قناعته بان عناصر الوحدة بين قواعد « الشعبي» و» الوطني» قائمة وانها اقوى من اي موقف انفصالي؛ غير ان قطبي انحى باللائمة على قيادات الشعبي، ملمحا الى انها المسئولة عن ما يراه الرأى العام جدار بين الحزبين. وعلى الجانب الآخر تنظر قيادات الشعبي الى هذه القضية بذات المنظور الذي عبر به الدكتور قطبي المهدي، فالقيادي الشاب بالمؤتمر الشعبي الناجي عبدالله، بكل ما تحمل شخصيته من دلالات، يؤمن على رغبة القواعد الجارفة، على كل الجانبين، في الوحدة؛ بل ان الناجي يؤكد كذلك على رغبة قيادات المؤتمر الوطني على كافة مستوياتها في تحقيقها ، بما فيها المستوى القيادي في الحزب والدولة، محملا مسئولية فشل كل الجهود التي بذلت الى «اثنين» من القيادات التي يقول انها ستخسر جراءها الكثير من المواقع تنظيميا وتنفيذيا. ويبرر الناجي ما يصفه بالتدافع من اجل الوحدة بين القواعد في الحركة الاسلامية بقناعة الجميع بان « البلاد مأزومة وان الامور لن تمضي للامام». وان كانت رغبات القواعد في وحدة الاسلاميين مجمعا عليها من الطرفين مثلما لاحظنا في حديث قطبي المهدي والناجي عبدالله، فان واقعية تلك الخطوة قد تتلاشى بعد التمعن في تمترس كل طرف خلف مسئولية الطرف الآخر عن هذه الازمة، فقطبي لفت في حديثه الى ان « قواعد الشعبي قادرة على تجاوز قياداتها»، وكأنه بهذا يرهن تحقيق الوحدة بانضمامها الى «الوطني» او ازاحتها قيادات الحركة الاسلامية التاريخية؛ فيما يقدم القيادي الشعبي الناجي عبدالله تأكيدا لا لبس فيه ل» الصحافة» بان قواعد الوطني وقياداته حتى الصف الاول ، ما خلا قياديين، تدرك بان الوحدة هي « سفينة نوح « في ظل الاوضاع الحالية، وان على الوطني ان يقدم تنازلات لانجاحها، الا انه تابع : للاسف مناصرو الوحدة في الحزب الحاكم مهيضو الجناح، ولا يسمع لهم لانهم يتكلمون بصورة دبلوماسية وفي اطر غير رسمية. اذا فان رغبات قواعد الاسلاميين في الوحدة قد تظل حبيسة، فكلا الطرفين يحمل تصورا منفردا لشكل الوحدة، وما يراه الوطني طريقا لذلك يمر عن طريق «لجنة للاسترجاع» كشف عن وجودها القيادي بالحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني د.معتصم عبد الرحيم، فقد اشار في تصريحات صحفية قبل اسابيع، الى وجود لجنة بهذا المسمى «تعمل على استقطاب عضوية المؤتمر الشعبي، ونجحت في عودة الحاج آدم يوسف نائب الرئيس الآن وعدد من القيادات». ولا يخفي المؤتمر الشعبي بدوره حرصه البالغ على اجتماع شمل الاسلاميين، وتأكيده القاطع ، على لسان الناجي، على توافر عوامل انجاح هذه الوحدة، وايصال الحركة الاسلامية لبر الامان، لكن القيادي الشعبي يقول ايضا ان الطريق لكل ذلك يستلزم الجدية وحسن النوايا، ويضيف الى ذلك « ان تكون الاولويات الدين القيم والوطن، وليس الاجندة الحزبية الضيقة والاغراض الشخصية». على كل، فإن اهداف من جمعوا بين «مقاتلي الاسلاميين» اواخر الاسبوع الماضي، حركتهم نوازع مختلفة لا ترى القضية من زاويتي المؤتمرين « الشعبي والوطني»، فعضو اللجنة المنظمة دفع الله الحكيم يقول ل» الصحافة» ان قواعد الاسلاميين، بعد 13 عاما من المفاصلة، غير معنية بهذا الخلاف فهو ، كما يشير، غير منهجي ولذا لايمكن ان تتحمل هذه القواعد تبعاته، ويتابع دفع الله قائلا : نحن من يدفع الثمن في الحرب، وفي منابر الحركة الاسلامية. ويظهر المحلل السياسي الدكتور عبدالرحمن ابوخريس الدوافع الكامنة من خلف تلك الخطوة من «مقاتلي الاسلاميين»، مشيرا الى انها نتاج لقراءات عميقة للتطورات في الداخل والتطورات في الخارج، فداخليا لم يعد مفهوما للقواعد ان يستمر الخلاف بين الاسلاميين فيما تواجه التجربة نفسها مهددات بالفناء، وخارجيا احدث صعود الاسلاميين الى السلطة في بلدان كثيره في مقدمتها « مصر»، تفاعلات وطرح اسئلة ملحة، واضاف ابوخريس ل» الصحافة» « الاهم ان ذلك اثبت ان هناك فرصاً متوافرة لنجاح المشروع الاسلامي». ويقول المحلل السياسي ان قواعد الاسلاميين ظلت تدفع ثمن هذا الخلاف والانقسام، رغم قناعتها بانه غير مبرر بالمرة، و «غير مؤسس على الاطلاق»، واعتبر الدكتور ابوخريس ذلك التجمع « رسالة واضحة من القواعد باأن الوحدة اضحت امرا ملحا، وان التجربة بحاجة لمراجعة، وتوجه جديد نحو الداخل والخارج».