جملة من المشاعر والأحاسيس الممزوجة بالحنين تنتاب البعض حين يسمعون ذلك المقطع المؤثر جداً بأحد إعلانات شركات البريد، فالمقطع واللحن يشعرانك بالحنين إلى ذلك الزمن الجميل، وهو زمن البريد وعصر «الجوابات» الذي لم يعد له وجود مع التطور السريع في تكنولوجيا المعلومات، فلم تعد هنالك خدمة بريد كالسابق مع القفزات الكبيرة التي تحدث في عالم التكنلوجيا والتقدم في الشبكات العنكبوتية التي سهلت خدمة البريد، بل ألغت دور البريد السابق إلى حد كبير، وانحسر أكثر مع تقدم الاتصالات بعد أن كانت له «شنة ورنة»، وذلك لما كانت له من أهمية فى حياة الناس، فتاريخ البريد في السودان يعود إلى العهد التركي، وتحديداً في عام 1858م، وتم تحديثه في عهد الإنجليز عام 1898م، حيث مدت خطوط التلغراف على امتداد خطوط السكة الحديد، واستخدم البريد والبرق كذلك لأغراض الحروب، ثم انتشرت خدماته وعمت كل أنحاء السودان باعتباره أول مرفق للاتصال، ولعب دوراً كبيراً، وكان تحت مظلة مصلحة البريد والبرق والتلغراف، وسمي في عهد الاستعمار البريد والبرق والمواصلات السلكية واللا سلكية بعد حدوث طفرة الاتصالات. وبعد أن غزت الشبكة العنكبوتية العالم لم يعد لساعي البريد وجود إلا في الأفلام القديمة، فجيل الانترنت لم يعاصر الساعي الذي كان يطرق باب المنزل لتوصيل الرسائل، فاليوم لا تحتاج لكل هذا العناء، بل بضغط زر في جهاز الحاسوب يمكن أن توصل رسالة من أقصى جهة في الأرض إلى أي مكان، ويبقى الأمر محطات تخطتها الطفرة الالكترونية وتقدم وسائل الاتصالات، لتجعل من خدمة البريد مجرد محطة وذكريات ليس إلا. إلا أن هناك من يرى أن البريد في السودان مازال يحتفظ بأهميته لدى الكثيرين أخيراً، ومع نهاية العام السابق تم بالعاصمة الخرطوم انعقاد أول ورشة للبريد متخصصة في نوعية الخدمة البريدية، نظمها اتحاد البريد العالمي، وجاء اختيار السودان بوصفه واحداً من أهم وأقدم البلاد في مجال خدمات البريد، الأمر الذي أكده د. مبارك عبد الله من إدارة العمليات وشؤون الولايات بشركة سودابست للخدمات البريدية، الذي ذكر أن انعقاد هذه الورش يؤكد أن البريد مازال بخير وعافية، ومازال دوره مهماً في حياة الكثيرين خاصة للولايات، ويجيء الاهتمام بالبريد لأنه يجلب الخبرات لداخل السودان، وعرض تجارب مشروعات تنمية الخدمات البريدية ومعرفة ما توصلت إليه الخدمات البريدية من تطور وتقدم في العالم، مبيناً أنهم في سودابوست يقدمون خدمات بريدية مميزة تختصر الجهد والزمن في خدمة التوصيل إلى المنازل، ومعرفة الأشياء التي تأتي من الخارج عبر البريد، وذلك عبر وسائل التقنية الحديثة، بالإضافة إلى تقديم خدمات نوعية حديثة. وقد جاء اختيار سودابست باعتبارها المشغل الرئيسي للخدمات البريدية في السودان، والممثل الوحيد للسودان في عضوية اتحاد البريد العالمي واتحاد البريد الإفريقي واللجنة العربية الدائمة. ويبدو أن حديث مبارك يبعث الأمل في نفوس الكثيرين ممن يهتمون بالبريد والعودة مجدداً إلى زمن البريد، ولكن مع تقدم وسائل الاتصال وظهور البريد الالكتروني الذي أخفى البريد إن لم يكن أزاحه من الوجود ولم تعد له أهمية تذكر، ومع هذه الاكتشافات والتطور في مجال الاتصال والتوصيل السريع عبر البريد الالكتروني، يظهر جلياً أن البريد قد انتهى عصره وولى زمانه.