أكدت مؤسسة الرئاسة مشاركة الرئيس عمر البشير في أعمال القمة العربية التي تنعقد اليوم الخميس بالعاصمة العراقية بغداد، وبرغم اعتذار العديد من الرؤساء والزعماء وأيضا الملوك العرب عن حضور فعاليات القمة لأسباب معلومة بالضرورة، إلا أنه يبدو أن الخرطوم تظل تتخذ قراراتها بمثالية لم تعد موجودة في علاقات الدول وعالم السياسة الذي نعيشه اليوم، فمن بين اثنتين وعشرين دولة عربية يفترض أن تكون حضورًا في قمة بغداد فإن نصف هذا العدد فقط تقريباً قد أكد تمثيله بوفود على مستوى الرئاسة بينما ستشارك البقية الباقية بتمثيل يصل لدى بعضها إلى مستوى سفرائها وممثليها لدى الجامعة العربية. هذا التفاوت في التمثيل يعطي ملامح عامة لما يمكن أن تخرج به القمة خاصة وأنها تأتي في ظروف استثنائية تمر بها المنطقة العربية أملتها حيثيات الثورات العربية، إضافة إلى غياب التمثيل السوري لأول مرة برغم أن أحد أجندة القمة مناقشة الوضع السوري تحت ظل المبادرة العربية وخطة المبعوث الأممي كوفي عنان «وتفيد بعض الأنباء أن المعارضة السورية ستكون حاضرة ولكن خارج قاعات الجلسات». نقول، بل إن القمة تشهد وضعاً لم يسبق له مثيل من قبل إذ أنها القمة العربية الأولى التي يترأسها رئيس غير عربي هو وزير الخارجية العراقي «الكردي» هوشيار زيباري وهو شيء يثير الكثير من التساؤلات والتكهنات. أضف إلى ذلك أن حيثيات الوضع العراقي الداخلي تلقي بظلال كثيفة على المشهد عموماً، خاصة وأن العراق ينضح بما فيه من إشكالات تكتنفه من أقصاه إلى أدناه، ويمثل الموت فيه التجارة الأكثر رواجاً والتي استدعت أن يصرف العراق أكثر من نصف مليار دولار لعمليات تأمين واستضافة القمة، برغم أنها ستتم بحسب المصادر في أحد القصور الرئاسية في المنطقة الخضراء وهي كما هو معلوم أكثر المناطق حراسة وتأميناً في العراق، بل إن بغداد قد أغلقت تماماً وأعلن الأسبوع المنصرم بأكمله إجازة للموظفين وطلاب الجامعات والمدارس ونشر ما لايقل عن مائة ألف من قوات الأمن الإضافيين لحراسة مئات من نقاط التفتيش التي أقيمت على كل الشوارع والطرقات. هذة الكلفة المرتفعة من أجل إقامة القمة العربية في العراق تثير التساؤل عن جدوى ذلك وعن التهافت على إقامتها فيه في ظل كل الأوضاع التي يعيشها العراق خاصة إذا ما وضعنا في الحسبان أن خروج القوات الأمريكية منها ليس كما يبدو عليه حقيقة، فالعديد من القواعد الأمريكية وتبلغ العشرات ما زالت موجودة على الأراضي العراقية وبكامل عدتها وعتادها. إذن، فالحديث عن عودة العراق للبيت العربي ومحاولة إثبات أن كل شيء فيه هو على ما يرام والسعي لتدعيم هذا بإقامة القمة على الأرض العراقية هو شيء فيه ما فيه من«إنات» ويحمل دلالات كثيرة ومؤشرات أكثر، دفعت بالعديد من المحللين للقول بأن قمة بغداد ما هي إلا قمة لتأكيد الوجود العربي والإقليمي للعراق فقط وبرغم كل شيء!! لقد كانت آخر قمة استضافتها العراق في العقد الأخير من الألفية الماضية وتحديدًا في العام تسعين وتسعمائة وألف، وخلال هذه العشرين عاماً تغيرت الكثير من الأوضاع الداخلية للعراق وتعرّض إلى التفكيك في محاولة خبيثة لإعادة تركيبه وفق مبادئ الفوضى الخلاقة التي يجري تطبيقها في المنطقة العربية وهو ما أدى إلى حدوث اختلال نوعي امتد تأثيره حتى على المستوى الإقليمي وليس فقط على الواقع المحلي، وهو ما أفرز الوضع المأزوم الذي تعيشه العراق حالياً. والذي لن تفلح عشرات القمم العربية في إضفاء مسحة جمالية عليه ما لم تعالج العديد من إشكالاته معالجة جذرية بعيدًا عن التدخلات الخارجية ووفق رؤى وطنية تعمل على لم الشعث العراقي وتوحده من أجل إعادة العملاق العراقي والذي كان يمكن أن يكون الأكثر قوة في المنطقة والعالم لولا ما يعلمه الجميع وأولهم العراقيون أنفسهم. إن المؤامرة التي تعرّض لها العراق ولا يزال، والتي يظل يدفع ثمن أخطاء القوى التي ساعدت ومهدت لاحتلاله بدءاً ومن ثم تفكيكه سواءً على المستوى الإقليمي أو المحلي، نقول إنها تتطلب في سبيل محو آثارها المدمرة أن يعاد ترتيب الأولويات داخل البيت العراقي، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية وهو ما يعد العمل الأصعب حالياً في ظل كل التداخل الذي يعيشه العراق ولكنه الأهم من أجل بداية جديدة تعيد للعراق حضوره الدولي والإقليمي. والذي وبالتأكيد لا يتم بمحاولات غير مجدية بمثل تبنيه لإقامة القمة العربية والتي ربما تأخذ منه أكثر مما تضيف إليه على كل المستويات، خاصة في ظل التحفظات التي أبدتها العديد من الدول العربية بخصوص نوعية وفودها المشاركة، وهي تحفظات تكاد تجد لها ما يبررها برغم كل شيء ...!! «وأنا أخط هذا المقال تأكد لي سفر الرئيس في هذه اللحظات إلى بغداد للمشاركة في القمة.. نسأله التوفيق وعودًا حميدًا» .