المال عصب الحياة وهو وسيلة وليست غاية والكل يجري ويكدح من أجل توفيره فلا تستقيم الحياة بدونه ولو بقدر بسيط، لكن هنالك أناس منّ الله عليهم ببسطة في الرزق وسعة في المال، السؤال المطروح في استطلاعنا هل يصبح المال وسيلة احترام وتقدير لبعض الأشخاص وإن لم يكونوا أهل لذلك وهل فعلاً أن «المال عند سيدو والناس تريدو» كما في المثل السوداني الشائع.. سؤال طرحناه على عينات تمّ اختيارها عشوائيًا علّنا نجد إجابات شافية.. كما أننا إستعنا بأهل العلم للإدلاء برأيهم في ذات المحاور.. بداية جولتنا كانت لنا وقفة مع نوال بشرى «ربة منزل» التقيناها بقلب سوق بحري حيث كانت تلبي احتياجات أسرتها اليومية وعند طرح سؤالنا لها أجابتنا قائلة: المال أحد مقومات الحياة وليس كل الحياة ولكن من الملاحظ أن صاحب المال دائمًا ما يكون محط اهتمام وتقدير الجميع.. وأنا عشت فترة في الخليج ولديهم مثل يقول «الفلوس تطغي النفوس» مع إن الإنسان هو الذي يصنع المال.. والمال لايصنع إنسانًا.. تناول طرف الحديث العم محمود سليمان بعد أن استمع جيدًا لما قيل في الإفادة السابقة وقال لنا: يا بنتي أهلنا العرب قالوا «العندو القرش وإن ريالتو تسيل تخضعلوا القبيلة ويبقى ليها دليل» مع أن المال ليس هو كل شيء فهنالك أشياء أسمى لكن الشيء السائد الآن أن من يملك القرش فهو يسوى الكثير ونسأل الله العفو والعافية. جلست جارتي في الحافلة وكانت شاردة الذهن وعندما نبهها المتحصل بقيمة التذكرة نقدته مبلغ «01» جنيهات بينما سعر التذكرة «05» قرشًا فاعترض على ذلك المبلغ الكبير مقارنة بالقيمة المطلوبة منها فما كان منها إلا أن ثارت في وجهه قائلة: «هي العشرة والخمسين ماكلها فكة»! وأردفت: لم يعد للمال قيمة وهنا تدخلت وتجاذبت معها أطراف الحديث وطرحت عليها سؤالي فأجابت: لقد أصبح التقييم ماديًا بحت حتى في المجاملات الاجتماعية فمثلاً الذهاب لزواج ناس فلان أصحاب المال ليس كالذهاب لزواج ناس «قريعتي راحت» المال في نظري هو وقود الحياة وحق لنا أن نحترم أصحاب المال. عبد الباسط يعمل أجيرًا في أحد مراكز البيع اكتفى بالقول: يمشي الفقير وكل شيء ضده.. والناس تغلق دونه أبوابها.. وتراه مبغوضًا وليس بمذنب.. ويرى العداوة ولا يرى أسبابها.. حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة خضعت لديه وحركت أذنابها.. وإذا رأت يومًا فقيرًا عابرًا.. نبحت إليه وكشرت أنيابها.. ورأينا ختامًا أن لا بد لنا من وقفة للنظر بعين أهل العلم للموضوع حيث أفادنا الأستاذ زكريا آدم محمد صالح قائلاً: إن النظرة المادية أو المالية تلك مرتبطة بأساليب التنشئة الاجتماعية فإذا نظرنا للمجتمع السوداني نجد أن التربية تكون وفق الأسلوب المادي وهي السائدة وسط الآباء والأمهات والمربين؛ فالأب دائم السعي لتوفير الأشياء المادية من مأكل ومشرب وملبس، وفي ذات الوقت يكون هنالك إهمال واضح للعوامل النفسية والتغذية الروحية والمعنوية مما يترتب عليه فهم بأهمية المادة في حياة الفرد ومن محور آخر نجد أن الحرمان يلعب دورًا في تشكيل هذه النظرة؛ فالشخص المحروم يحس بحرمانه من الأشياء المادية بينما يرى نظرة المجتمع للشخص صاحب المال وكيف أنه مقيّم وإن لم يكن صاحب علم ومعرفة فينظر ذلك الشخص إلى نفسه نظرة دونية حتى وإن صاحب درجات عليا في مجال العلم فيفقد إحساسه بالأشياء المعنوية.. ومن زاوية أخرى يمثل الإشباع الشديد للأفراد الذين تربوا تربية ترف حالة من الاستعلاء على الناس ففي مجتمعنا نجد أن صاحب المال يجد رعاية واهتمامًا حتى في بيوت الأتراح.. وفي أي مجلس مثلاً إذا حكى طرفة وإن كانت غير مضحكة نجد الناس يضحكون معه من باب المجاملة كيف لا وهو صاحب مال ويشعرونه بأنه أحسن منهم وأنهم هم في حاجة إليه.. المثل السائد «المال عند سيدو والناس تريدوا» نحن كمجتمع من عملنا على ترسيخ مفهومه أضف إلى ذلك أن الأغنياء يكلفوا المجتمع فوق طاقته حال محاولة مجاراتهم أو تقليدهم لأنهم غالبًا ما يأتون بأفكار سيئة على المجتمعات من باب الترف والرفاهية كإيجار صالات الأفراح بمبالغ طائلة فيحاول الآخرون مجاراتهم فيحملون أنفسهم ما لاطاقة لها به.