في عام 1967م ذاع صيت الخرطوم بوصفها العاصمة التي احتضنت مؤتمر اللاءات الثلاث في وجه إسرائيل «لا للصلح، لا للتفاوض ولا للسلم»، فالايام في دورتها عادت القهقرى بحيث أصبحت مصر التي لأجلها عقد ذلك المؤتمر هي التي حازت قصب السبق في التطبيع مع إسرائيل، بينما ظل السودان على موقفه دون يتزحزح عنه قيد أنملة، حتى أن الحكومة كثيراً ما تشير إلى أن الحصار والعقوبات التي تواجهها من المجتمع الدولي خاصة واشنطن جراء رفضها للتطبيع مع تل أبيب، ولكن الملاحظ أخيراً أن ثمة أصواتاً من هنا وهناك شرعت دونما سابق إنذار في الدعوة للتطبيع مع إسرائيل، آخرها الحديث المثير الذي أدلى به والي القضارف كرم الله عباس في فاتحة دورة أعمال تشريعي ولايته يوم الأحد الماضي الذي جاء فيه بأنه متى ما أصبح وزيراً للخارجية فإنه سيعمد للتطبيع مع إسرائيل، ومن قبل أوردت وثائق ويكيلكس أن مستشار الرئيس مصطفى عثمان وبحسب وثيقة مسربة صادرة في يوليو 2008م، قال لدبلوماسي أمريكي البرتو فرنانديز إذا مضت الأمور بصورة جيدة قد تساعدوننا في تسهيل الأمور مع إسرائيل، الحليف الأقرب لكم في المنطقة، الشيء الذي نفاه إسماعيل فيما بعد. وتمضي وتيرة التعاطي الصريح مع إسرائيل حتى أن بعض الصحف خرجت صبيحة «19» سبتمبر للعام الماضي بخبر فحواه أن النائب عن الوطني شريف محمدين ولدى مناقشة برلمانية حول خطاب رئيس الجمهورية امام البرلمان قال ما الذي يمنع إقامة علاقات مع إسرائيل وهم من أهل الكتاب، طالما أن للدولة علاقات مع دول لاعلاقة لها بالدين، وبرر دعوته بأن التطبيع سيكفي البلاد كثيراً من المشكلات. ولما كان الملفت للنظر في هذه الظاهرة انها صادرة عن قيادات في الحزب الحاكم وليس المعارضة، فإن مردها وفقاً للخبير الاستراتيجي د. محمد حسين أبو صالح هو الإحساس العام لبعض قيادات الوطني بالضغوط الرهيبة التي تواجه البلاد، من واقع الاستراتيجيات الأجنبية على الأرض وليس النظريات، وذلك بحدوث انفصال الجنوب، والسعي لتطبيق ذات السيناريو في النيل الأزرق وجبال النوبة، بالاضافة لدارفور. ونفى أبو صالح في حديثه ل «الإنتباهة» أن تكون تلك الأحاديث نابعة عن رؤية استراتيجية، ولدى سؤاله عن احتمالات التطبيع مع إسرائيل بالفعل، ذهب إلى أن السودانيين الذين لم يتوافقوا بعد على العديد من القضايا الاستراتيجية من الصعب أن يتوافقوا على قضية التطبيع، داعياً للاتفاق على استراتيجية وطنية لتحديد كيفية إدارة الصراع الذي تواجهه البلاد. بينما استبعد أمين الإعلام بالوطني بدر الدين احمد ابراهيم مسألة التطبيع مع اسرائيل. وبسؤاله عن حقيقة التيار الداعي للتطبيع وفقاً لكرم الله، رد بأن ما ورد عن الأخير عموميات مؤداها تضليل الرأي العام اكثر مما تفيد، وأضاف متسائلاً لماذا لم يفصح للرأي العام عن تفاصيل تلك المدرسة التي قال بها، أما بخصوص الترتيبات التي أشار لها في أحاديثه لضبط التصريحات بالحزب، قال ل «الإنتباهة» عبر الهاتف إن الجهات المعنية داخل الحزب هي التي تضع المؤشرات والضوابط بحيث يؤول التصريح للقيادات المختصة دون غيرها. وبسؤاله عما إذا كان الولاة خارج إطار هذه الترتيبات أجاب بأن الوالي يرتبط مع المركز عبر أسس ولوائح معينة، وأن حريته ليست مطلقة في التصريحات، منوِّها بأن الحزب بصدد القاء الضوء على التصريحات التي تصدر عن منسوبيه سواء الخاصة بكرم الله أو غيره. وبعد يبدو أن الوطني قد تعذَّر عليه ضبط مسألة التصريحات داخله، فقد سبق لمسؤول الأمانة السابق فتحي شيلا أن تحدث عن مثل تلك الضوابط بتحديد قائمة للمسؤولين عن التصريحات، ولكنها لم تر النور حتى مغادرته لمنصبه، ولكن يبقى أن أحاديث الولاة في قضايا دقيقة كتلك التي خاض فيها كرم، قد تدفع الحزب للنظر في الأمر بجدية أكبر.