في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات المدافع والدانات التي يطلقها الجيش الشعبي على الأراضي السودانية يفتقد الجنوبيون الذين منّتهم الحركة الشعبية بجنة عدن عقب الانفصال إلى أبسط مقومات الحياة وأهم ضرورياتها والمتمثلة في مياه الشرب، ويقول تقرير نشرته وكالة إيرين إن النساء بمعسكر الجمام بولاية أعالي النيل بدولة جنوب السودان يجلسن ساعات طوال تحت أشعة الشمس الحارقة من أجل الحصول على الماء وذلك أنهن يقمن بحفر الطين من البرك الجافة للحصول على الماء العكر، وتقول واكا دوكا إحدى هؤلاء النساء لقد استغرقت ثلاث ساعات من أجل ملء هذه الجرة لكنها أفضل من لا شيء بعد انتظار يوم كامل، وتكافح وكالات الإغاثة هنالك من أجل توفير الاحتياجات الغذائية والمائية لأكثر من 37 ألف شخص شرّدتهم الهجمات العسكرية التي شنتها الحركة الشعبية عبر الحدود، وتعتبر شريحة الأطفال أكثر الشرائح المتضررة من المياه العكرة والآسنة حيث ترتفع الإصابات بالإسهلات والقيء إلى مستويات قياسية، ويقول داودي ماكومبا خبير مائي من منظمة أوكسفام «إن المنظمة تواجه تحديًا كبيرًا في توفير المياه من خلال حفر آبار جديدة بعد أن جفّت البحيرات والأنهار الطبيعية كما أنها تفتقر للوسائل اللازمة لشحن أكثر من «160» ألف لتر من الآبار الثلاث المتبقية والتي تبعد «30» كيلو مترًا من المعسكر، ويقول أندرو أوميل منسق منظمة أوكسام للحالات الطارئة بالمخيم والذي يطلقون عليه اسم «المنسي» إن المشكلة تكمن في أن المنطقة ليس بها مياه جوفية لقد بذلنا قصارى جهدنا وحفرنا أكثر من عشر آبار تجريبية ولم نحصل على الماء هذا فضلاً عن التاريخ السيء للمنطقة في موسم الأمطار حيث تغلق الطرقات وتغمر مياه الفيضانات مساحات شاسعة من المعسكر وعليه يجب على الجهات المانحة مضاعفة دعمها في الوقت الراهن وأضاف أن المجتمع الدولي لم يقدم الدعم الكافي خاصة مع تزايد أعداد اللاجئين بسبب استمرار الصراع»، وقالت منظمة أطباء بلا حدود والتي تقدم أكثر من «130» ألف لتر من المياه يوميًا أن عياداتها تشهد ارتفاعًا مخيفًا في إصابات الإسهال وسط الأطفال وترتفع نسبة الإصابة إلى واحد وسط كل أربعة أطفال في المخيم هذا فضلاً عن إصابات الجهاز التنفسي والملاريا والتهابات الجلد وأمراض العيون وأن الأطفال يعانون من حالات جفاف حادة ويحتاجون إلى محاليل تروية بصورة عاجلة ويسكن مواطنو المخيم في منازل متداعية مصنوعة من القش وألواح البلاستيك، ويقول معظم سكان المخيم إنهم لا يتلقون ما يكفي من الغذاء خاصة للأطفال، وتقول ايملاك إحدى النساء الموجودات بالمعسكر إنه يتم توزيع جوال من الذرة زنة «25» كيلو وكليو عدس وجالون زيت لكل أسرة مكونة من خمسة أشخاص لمدة شهر ونصف ولكنك لا تحصل على المساعدة حال وصولك إلى المعسكر إذ ينبغي لك الانتظار لمدة شهر ونصف حتى تحصل على حصتك الأولى وأضافت لقد انتظرت أنا وأسرتي شهرًا ونصف الشهر تحت ظل إحدى الأشجار» ولا يقتصر الجوع والأوضاع المتردية لمشردي الحرب في الجنوب على مواطني معسكر الجمام حيث تقول توت التي تسكن بقرية نايرتان بجنوب السودان لايرين إنه منذ قدومها إلى القرية من أبيى فرارًا من ويلات الحرب تضطر إلى بيع ممتلكاتها للحصول على الطعام أو من خلال طلب المساعدة من أقربائها وتضيف: «الحياة في نايرتان قاسية للغاية حيث إننا نعتمد على أوراق الأشجار وثمار اللالوب في غذائنا».