النقارة كما يعرفها أهل السودان عامة وقبائل دار فور بصورة خاصة، هي عبارة عن آلة خشبية أسطوانية الشكل، مجوفة، تجلد بجلود الأبقار، لتصدر أصواتاً موسيقيةً مختلفةً، وتسمى النقارة صغيرة الحجم ب «التمبل»، وهي آلة أسطوانية الشكل مجوفة تدخل في كثير من الألعاب الشعبية بدارفور، أما البقارة كما جاءت في كتب التاريخ وبحوث الأدب الشعبي الأكاديمية «هي قبائل عربية ترعى الأبقار في دارفور وكردفان مثل الهبانية، الرزيقات، المسيرية، الحوازمة،الترجم، التعايشة والبني هلبا و... إلخ »1 أما الخيول فتلكم الحيوانات الأصيلة التي تقع في عائلة الخيليات والتي تضم الحمير، البغال والخيول، إلا أن الخيول لها مكانة سامية وقيمة عالية عند العرب البقارة، وجدت العناية والرعاية أكثر من أشقائها الحمير والبغال، يحكي لنا التاريخ أن الخيول تبوأت مكانة مهمة في حياة الإنسان البدوي، وتعج كتب الأدب العربي بمئات القصائد وآلاف الأقوال التي مجّدت الخيل، وأعلت من شأنها، سواء كان ذلك من خلال دورها في الحروب والفتوحات الإسلامية، أو في الصيد وارتياد الأهوال، ويكفي أن امرئ القيس وعنتر العبسي، خلدا الخيول بقواف مازالت تدرس وتدرّس، وسطرا عدداً من الملاحم بطلها الحصان العربي، في هذا المقال أريد أن أعطي إيماءات وإشارات «فقط» عن دور الخيول في حياة البقارة فتعتبر الخيول واحدة من مكملات شخصية البقاري، ورمزاً من رموز الفارس المغوار، ولا تطلق كلمة فارس الاّ لمن يمتلك حصاناً أو فرساً وشجاعة تحضه على خوض المهالك، والبقارة يمتلكون خيولاً أصيلة وعتيقة وذلك من أجل حماية ماشيتهم، فهي جاهزة للفزع والإغارة والصيد، حيث نجد في كل فريق بقارة أو من يمتلك مراحاً من الأنعام، نجد عنده حصاناً وبندقية أو حربة، إضافة إلى ذلك تعتبر الخيول مظهرًا اجتماعياً حيث تدل على فراسة وشجاعة صاحبها. كما يستقل البقاري الحصان في البحث عن أماكن الكلأ والماء وهو ما يُعرف عند البقارة ب «الرواغة» وكذلك في العرضات والزفات والمهرجانات، حيث يحكي التاريخ والثقاة أن جنوب دارفور كانت أرضاً للزفات ومن أشهرها «زفة رهد أبو صلعة، وزفة سبدو، وزفة خيول أم لباسة، ومهرجان الفروسية والهجن وغيرها» وتحظى الخيول برعاية غذائية فائقة ومتابعة صحية مبالغ فيها، حيث تشرب الخيول الألبان الخاصة، والعسل، وتطعم التمر، والدخن والشعير، وبعض البقارة يعتنون بخيولهم أكثر من أطفالهم وأوطانهم كما قال الهداي «أحمد دِرب» من الضعين « هم الناس كساني وأوطاني / وهمي أنا شحم حصاني». وتستحوذ الخيول على مساحة كبيرة من قاموس الأدب الشعبي عند شعراء البقارة خاصة الحكامات، الهدايين والبوشانيين، «ويُعرف الشعر الذي يردده الفارس أو الشاعر علي صهوة حصانه بالبوشان، وهو شعر يهيج الفرسان ويثيرهم، وهو شعر الحماسة الموروث من العرب ، وعند سماعه تعلو الزغاريد ويجلجل صوت الرجال بالرقراق »2 ويقول الهداي أحمد شعيب موسى مادبو المشهور ب «شحاح الضُل» شاعر عموم الرزيقات بأنه يرغب في سعيّة الخيول، الاّ أنه يهاب شرورها لأن قبور محملة على ظهورها، وأنها بيوت الشر والموت دائماً تتصدى للمعتدين والحيوانات المفترسة لذا يحوم حولها ملك الموت صباح مساء الخيل بدورهن لكين بابي شرورهن قبورهن فوق ضحورهن مركوبات الصحابة ضاوي لينا نورهن وكافة كمين خطير شايلنّا فوق صدورهن أزرائيل ملك الموت في كل صباح بزورهن ويقول عنهن شاعر الكلكة الملقب ب «البعشوم الجر المضغوط» الخيل ليهن طنّة وليهن ونّة وليهن بوشاني غنى اللبن والعيش الخيل بستاهلنة الخيل قُزقُز الشجر مشطنا3 وحر الدبيب برجليهن كتلنا 4 قدر بنات سعدان غارهن فليي السما لمنا رئيس العصابة قبضنا وفوق السجن رزعنا عند الزفات والمعرضات، والنقارة تجمل الخيول بطريقة جميلة بدءًا بالسرج، والفروة المرس، الدوال، واللجام، تم تعرض وسط أهازيج، وزغاريد الحكامات، وفي حالة النقارة والتي تلعب غالباً عند الأمسيات، ويقف الفارس بحصانه خلف المرأة الشيخة وهي تلعب ويلعب الحصان مع إيقاعات النقارة في مشهد يدعو إلى الاندهاش وصفه الشاعر قائلاً: ًيعجبنك الخيل والنقارة بتضرب ويعجبنك الخيل كن شدن للحرب يعجبنك الخيل كن وقفن أمامك طب يا أخوانا الخيل عند العرب أغلى من الدهب. وعندما يمتطي الفارس صهوة حصانه، تسري فيه شحنات حماسية كبيرة، ويفقد رشده ويذهب عقله ويتصرف بجهل كما قال الهداي وهو يثني على الخيول « شرابات الريح /كتالات النصيح / لو ركبهن عاقل يغني ويصيح» أما الشاعر محمد إسماعيل أحمد الرخيص الملقب ب «السيئة المغفورة»، فالخيل عنده مهمة للفزع وأخذ الثأرً«5» بحكم أنه من الهنباته، يسخّر السيئة طاقاته وحصانه المسمى «فزع البكورك» إلى حماية أهله ونجدة الملهوف وإغاثة المستغيث، ويعترف بأن الخيول تحقق أيّ هدف يرمون إليه أنحنا خيلنا كن شدن للغرض بقضناّ أنحنا خيلنا شدن ومدن عدوهن الناهزنا وجميع الرافع راسا خيلنا بتوطنا والجاي من الخارج خيلنا بتصدنا فيّ القتلنا وفيّ الأسرنا وفي الطفشنا مات في الخلي النسورة بيننا والمتحزم بأعدائنا خيلنا عرّنا بلا الخيل مع الفراس مافي كلام مثني جميع البستحقر بخيلنا بدمرناّ أنحنا عرب قوي مافي عدو بحملنا خيلنا الفي التراب حلالهن و الطاير بشاركنا خلينا لأزرائيل حلفن كتاب خاونا ويقول السيئة المغفورة أن ركوب الخيل عادة تراثية ورثوها من أجدادهم العرب،وأن خيولهم إذا شدت للإغارة بتجلب الدية أنحنا جابر بي جبارة ركوب الخيل لينا تراث عادية أنحنا عرب كوم مانا شّية بنملأ عين العدو ليلة تجي كُدية أنحنا عرب قوي ولينا النصر نسبية محمد شفيع الأمة لينا حمية 1- التشبيه في شعر البقارة حسن بشير حسن 2- نماذج من ثقافة الهبانية أهل الكلكة عبد النبي البشير عبد النبي ص76 3-قُزقُز : شجيرات قصيرة 4- الدبيب: الثعابين 5-السيئة: بوشاني من عد الفرسان ولد بالجنينة في عام 1966واستشهد في 22/5/1997..