«ما من منظمة أجنبيَّة تأذّى منها السودان إلا كان في دعمها وسندها وتزويدها بالمعلومات الكاذبة عددٌ من أبناء السودان». إن معظم المنظمات الأجنبية التي تعمل في السودان لها أجندة سياسية أو دينية أو اجتماعية أو اقتصادية تسعى لتنفيذها بكل السبل وتتكسّب أموالاً طائلة لدعم نشاطها من المانحين الذين تؤثر فيهم وتستدرّ عطفهم كلٌّ في مجاله بتقاريرها التي تصنعها صناعة وتصورها وتخرجها مدبلجة كذباً، وتقدمها للمانحين لتكسب بها المال لتغطية منصرفاتها التي هي في معظمها مصاريف خاصة بعضها يذهب لمن يعاونونها في عملها الخسيس من أبناء المنطقة المعنية وقليل منه فقط يذهب إلى العمل الإنساني. ما من منظمة غربية جاءت إلى السودان خلال فترة الحرب والتمرد على امتداد سنواته إلا كان من خلفها بعض من أبناء السودان غذوها بالمعلومات الكاذبة وبالوقائع المختلقة وبالأحداث المفبركة وأقنعوها ببضاعتهم الوضيعة وأقوالهم الخسيسة ولم تكن تلك المنظمات في حاجة لكثير من الجهد لإقناعها فهي دائماً في انتظار أبناء وزعماء الدول الوضيعين التي يدور فيها صراع أيًا كان شكله لتتبنى قضاياهم البائسة وتتلبط أكاذيبهم وتسير بها بين الدول والمؤسسات لتتحصل على الأموال لتغطية احتياجاتها هي أولاً قبل من خرجت لأجلهم وترمي الفتات تحت أقدام أولئك الوضيعين الذين جاءوا لها بقولٍ كذب وفعلٍ مختلَق. قرأت عددًا من الحلقات التي يكتبها الأستاذ الكرنكي في عموده «عصف ذهني» بصحيفة «الإنتباهة» متناولاً فيها قصة منير شيخ الدين بالتفصيل الدقيق وكيف عاش منير في حضن دولة نفطية وقصة ذهابه إلى إنجلترا طالباً حق اللجوء السياسي، وكيف عاونه الأستاذ فاروق أبو عيسى وآخرون بتقارير كاذبة قدمها للسلطات البريطانية، وتناول في مقالاته بعضًا من الأساليب التي يتبعها طالبو اللجوء لتلك الدول تعكس سفالة وانحطاط بعض من أولئك البشر.. وتحدث عن المواطنة زينب الناظر التي كانت تعمل مع أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية السودانية وكيف استدرجها السيد منير شيخ الدين وقدمها للبارونة كوكس بأنها مسترقّة وخلقت البارونة كوكس من قصتها التي اختلقها السيد منير شيخ الدين موضوعاً جلب سخط كل العالم على السودان وأصبح أمر السودان مرتبطًا في كل المحافل الدولية بالرق وأن العرب المسلمين يسترقون الأفارقة المسيحيين. لا أريد في مقالي هذا التعقيب على ما كتبه الأستاذ الكرنكي في مقالته المتعددة التي أتى فيها بتفاصيل دقيقة تستحق أن يقرأها ويعرفها الشعب السوداني ليقف على حجم الأذى والضرر الذي ألحقه بعضٌ من أبناء وزعماء السودان بوطننا العزيز ليحققوا مكاسب لهم سياسية كانت أو مالية رخيصة لأنهم يفتقدون لخصائل أبناء السودان من عزة وكرامة وشموخ. ولكن أخي القارئ الكريم الحديث عن البارونة كوكس جعلني أتذكر ثلاثة مواقف، أو قل ثلاثة أحداث، مرت بي وأنا قائد لقيادة الهجانة بالأبيض عام 1993م -1995م التي كانت منطقة مسؤوليتها شمال وجنوب كردفان. أولها زيارة البارونة كوكس لجنوب كردفان، كان التمرد في جنوب كردفان خلال تلك الأعوام يقابل ضربات قوية من جنود الهجانة الصناديد ومن المجاهدين الخلص والدفاع الشعبي من أبناء المنطقة حتى انحسر نشاطه كثيراً. وفي نفس الوقت نشط عمل المنظمات دعماً للتمرد وكثرت زيارات طائرات المنظمات لمناطق الجبال البعيدة عن سيطرة القوات المسلحة وهي عبارة عن طائرات صغيرة تهبط في مهابط ترابية تحت غطاء الأعمال الإنسانية للمنظمات الأجنبية الأممية منها والأخرى ولكنها في الحقيقة تقوم بإمداد المتمردين بالاحتياجات القتالية ونقل القادة من الجبال إلى مناطق الحركة الشعبية ولها مآرب أخرى. { قصة البارونة كوكس وصلتني رسالة من القيادة العامة استخبارات تفيد بزيارة المدعوة كوكس لمناطق الجبال والتوجيهات بأن لا نتدخل في برنامج زيارتها فقط المطلوب منا تأمين تحركاتها من بُعد.. ووصل نفس المضمون لأمن الولاية والزيارة ستكون لمنطقة الدلنج وكادقلي. أصدرت توجيهات لأركان حرب القيادة كل حسب تخصصه ولقائد منطقة الدلنج ومنطقة كادقلي كما جاء في توجيهات القيادة العامة قبل وصول مقطوعة الطاري المدعوة كوكس. لم أكن مهتمًا بمقابلتها نسبة لعدم معرفتي السابقة لها ولم تطلب هي ذلك ولكنني صادفتها في رئاسة حكومة الولاية يوم قدومها ووجدتها: «امرأة شمطاء لا مسحة جمال فيها وشّها يلعن قفاها لا فرق بينها وبين أي رجل من بلدها لا تدري من لبسها وشكلها إن كانت مُدبرة أم مقبلة. كانت تحمل في مفكرتها عددًا من المواضيع عرفنا فيما بعد بعضًا منها: أ/ إن الرق منتشر في الجبال ويمارسه العرب عادة وتود تأكيد هذه المعلومة. ب/ المدن في جبال النوبة لا خدمات فيها يعيش فيها أبناء الجبال التنكيل ويملأ بهم السجون ولا يستطيع أي مواطن الخروج بعد مغيب الشمس. ج/ زعماء النوبة في السجون «ذكروا اسم يوهانس» د/ الاغتصاب شيء عادي في منطقة الجبال. { أول محطة لها كانت الدلنج طلبت أن لا يرافقها أحد فقط الذين أتوا معها. ذهبت إلى تندية وكجورية وقرية الأميره وجلد وحجر جواد وعادت في العصر ووجدت الحياة عادية في تلك المناطق وجميعها تحت سيطرة أجهزة الأمن وسلطات المعتمدية ما عدا جلد في ذلك الوقت، عادت البارونة إلى الدلنج وفي المساء ذهبت إلى السوق فوجدت القهاوي والدكاكين فاتحة والحياة عادية ووجدت مولّد المدينة يعمل «عادة كان يتم تشغيله حتى العاشرة مساء». ووجدت سينما الدلنج تعمل والمدينة آمنة وكذلك ما حولها ولم تسمع صوت ذخيرة.. وكانت هذه هي وتيرة الحياة في منطقة الدلنج.. ولكن مقطوعة الطاري لم تجد شيئًا مما ادعاه أبناء جبال النوبة الذين قابلوها في إنجلترا وغيرها. كان تعليق البارونة أن السلطات شغلت السينما والكهرباء وأخفت المظاهر السلبية الأخرى حتى لا أجد منها شيئًا وكان ذلك تعليقًا غريبًا يدل على سوء نيتها وقناعاتها السلبية!! في كادقلي التي وصلت إليها من الدلنج بدون أي حراسة لأن الطريق بين الدلنج والكويك وكادقلي أصبح آمنًا وسالكًا بعد عمليات الصيف وانحسار التمرد في تلك المناطق. وتحركت السيدة كوكس كما تريد في كادقلي وما جاورها ولا أعتقد أنها سعدت بزيارتها إلى كادقلي لأنها لم تجد ما تنشده كما كان حالها في الدلنج. ولكن لم يهدأ لها بال وما زالت الظنون تطن في رأسها كأنما حالها يقول، ماذا أكتب في تقريري، ماذا أقول للمانحين حتى يتواصل المدد بسخاء. في مساء زيارتها لكادقلي هطلت أمطار غزيرة في منطقة الجبال الشرقية وجميع مناطق كادقلي واستمرت لزمن طويل وفي مثل هذا الحال تتجمع مياه الأمطار وتشكل سيولاً وفيضانات ويصبح خور «العفن» الذي يقطع الطريق الذي يربط بين كادقلي ومناطق الجبال الشرقية «الحمره وأم دورين إلى تلودي» وتستمر السيول لأكثر من يوم حتى يجف خور «العفن» ويهدأ اندفاع المياه لتسمح بالعبور في الصباح قررت البارونة الذهاب إلى منطقة الجبال الشرقية وخرجت من كادقلي ولم تقتنع بحديث المسؤولين بأن الأمطار الكثيفة التي هطلت طوال الليل في الجبال الشرقية ستجعل الحركة صعبة ولكن البارونة لم تقتنع.. وصلت خور «العفن» ووجدت الخور يهدر من شدة اندفاع المياه ولا يمكن لأي عربة العبور.. أصرت أنها لن ترجع وستنتظر حتى يمكنها العبور. وعندما طال انتظارها رجعت وهي تقول «حكومة الولاية والسلطات المحلية فتحوا «الخزانات» في الجبال حتى لا أتمكن من عبور الخور لزيارة المناطق الشرقية».. تخيل!! لقد كان واضحاً أن ما حملته في مفكرتها هو الذي قاله لها منير شيخ الدين وصحبه وجاءت لتوثقه، وعندما لم تجد ما ذكر لها أصبحت تبرر ذلك بما يدين السلطة القائمة.. احذروهم فإنهم يأذوننا. { في المقال القادم سأتناول قصة القلم المدبلج الذي كتب سيناريو أبناء الجبال وأخرجه بعض الخواجات مع بعض أبناء الجبال المتمردين، والبداية كانت من منطقة تبانيا والحكاية يحكيها المواطن «تية كجو» ونتناول قصة شريط الڤيديو عن البنت التي ادّعوا كذباً أن جنود الهجانة اغتصبوها. وما خفي من الأفعال السلبية المؤذية كثير كثير وعنه تمتلئ مفكرة القادة ولكلٍّ حكاية وحكايات في مثل حكايات الكرنكي عن منير شيخ الدين.