بالأمس انتهت تماماً علاقة أبناء دولة جنوب السودان الجديدة بوطنهم القديم الذي كان قد فرضته عليهم النخب الشمالية منذ قبل الاستقلال فرضاً، دون هدى ولا رشد سياسي ولا كتاب منير.. وإن كان قد قيل أن علي الميرغني كان من الذين أيدوا رأي الانفصاليين الجنوبيين، وتذكر أننا هنا لمن نقل كان من دعاة فصل الجنوب، فالفرق واسع. وإن كان أهل الشمال أولى من أهل الجنوب بالمطالبة بالانفصال نظراً إلى الضرر الفظيع الذي وقع على الشمال جراء فرض الوحدة مع الجنوب. بماذا تضرّر شعب الجنوب من الوحدة؟! وهل كانت حكومات الخرطوم بعد الاستقلال تجد الفرصة لانعاش التنمية في الجنوب الذي تفجرت فيه القنبلة الموقوتة بعد مغادرة الاحتلال البريطاني؟! لماذا لم يقم الاحتلال البريطاني بتنمية الجنوب؟ ولماذا لم يتمرد شعب الجنوب قبل الاستقلال عام 1956م على سلطات الاحتلال البريطاني؟! هل لأنه لم يجد وقتها الدعم الذي وجده من بريطانيا نفسها وأمريكا وإسرائيل وغيرها بعد الاستقلال؟! إن التعليم هو مفتاح التنمية والتطور والازدهار والرفاهية وحينما أسست بريطانيا في السودان مؤسسة تعليم عالي هي كلية غردون التذكارية عام 1902م لم يلتحق بها طلاب من أبناء جنوب السودان إلا عام 1947م وكانوا أربعة فقط.. فهل كان العدو الحقيقي لأبناء جنوب السودان هو «الشمال» أم بريطانيا؟! إن الدعم الأمريكي والإسرائيلي للتمرد في الجنوب قبل اتفاقية نيفاشا عام 5002م كان على حساب تنمية الجنوب إذ لا يمكن أن تدور عجلة التنمية هناك مع دوران عجلة التمرد بقيادة جوزيف لاقو وجون قرنق.. إن العقل اليهودي يستخف بالعقل الإفريقي ويعتبره عقلاً حيوانياً لا يفهم دروب المصالح مثل التنمية وأدوات التقدم.. ولوكان اليهود اتخذوا موطنهم في جنوب السودان لأصبح فيها جنة الله في الأرض وشعار اليهود غير المعلن هو أن تكون الدول الإفريقية محرومة من التعليم والتنمية لصالح الشعب اليهودي.. وحتى استمرار الحروب الآن في إفريقيا والتحريض عليها يصبان لصالح الإستراتيجية الإسرائيلية. استمرار الوحدة بين الشمال والجنوب تكون وبالاً عليهما معاً.. أما الانفصال فيحقق مصلحة أمنية كبيرة للشمال، وهذا ما ينظر إليه أنصار الانفصال الشماليين من لدن يوسف مصطفى التّني الذي أعلن عن موقفه عام 1955م بعد وقوع أحداث مجازر توريت في الثامن عشر من أغسطس 1955م وهذا اليوم تخلده الآن الحركة الشعبية وتحتفل به كل عام وما حدث في هذا اليوم هو أن اعتدى الجنوبيون في الجنوب على مئات المدنيين الشماليين من تجار وأطباء ومعلمين وأطفال ونساء وأطفال في أرحام أمهاتهم اللائي تعرضن إلى عمليات إجهاض فظيعة بالحراب، وكانت كل هذه الجرائم بسبب اقتراب البلاد من يوم الاحتفال باستقلال السودان من الاحتلال البريطاني. فلم يعترفوا بهذا الاستقلال لأنه ربطهم بالشمال وكانوا يريدون الاستقلال من الشمال نفسه.. وما كانوا سيعترضون لو أن الاحتلال البريطاني استمر في الجنوب بعد عام 1956م، لأنهم يحبون السلطات البريطانية التي فعلت بهم ما فعله فرعون برعيته.. لكن المثل السوداني يقول: «الكلب يحب خانقه».. إن أكبر الأعداء للجنوبيين لو كانوا يعقلون ويفهمون هم بريطانيا وأمريكا وإسرائيل.. وظل السودان هو الوفي لأهل الجنوب دائماً، بدليل تثاقل أبناء الجنوب في العودة من الشمال، وبدليل استمرار مفاوضات وفد حبيبنا إدريس حتى بعد الهجوم على مواطني ولاية جنوب كردفان.. بريطانيا وأمريكا وإسرائيل يمكن أن يكونوا أصدقاء للحركة الشعبية لكنهم بحكم واقع الحال هم أعداء لشعب الجنوب، مثلما أن الحركة الشعبية هي أيضاً عدوة.. الآن المطلوب من العائدين إلى الجنوب دون عودة عكسية هذه المرة المطلوب منهم هو أن يعودوا بحلم التغيير مع إخوانهم الثوار هناك الذين يضغطون حكومة جوبا من أجل الإصلاحات المطلوبة. الغريب أن المعارضة السودان والتمرد هنا يتحالفون سياسياً وعسكرياً مع حكومة جوبا لإسقاط الحكومة السودانية، هل هو النفاق السياسي؟ المهم نتمنى عودة ثورية لأبناء الجنوب.