عندما أنشئ سلاح الإشارة في أكتوبر 1953م صممت له علامة لتميزه عن باقي أسلحة الجيش.. ولهذه العلامة المميزة والتي هي بمثابة علم «السلاح» الذي يخفق عالياً على ساريته والذي نقف جميعناً لتحيته وقفتنا العسكرية التقليدية الجبارة انتباه إجلالاً وإكباراً واحتراماً واعتزازاً في الصباح الباكر عند رفعه، وفي المساء عند نزوله والذي يحتم علينا واجبنا المقدّس حراسته وحمايته، له معانٍ كثيرة وخطيرة وتظهر جلياً في تلك العلامة المميزة لنا، المصغرة من ذلك العلم والتي نفخر ونعتز نحن أعضاء أسرة الإشارة ضباطاً وجنوداً.. بارتدائها.. وتتكون هذه العلامة من جزءين رئيسيين هما: الجزء الأول وهو عبارة عن الجوخة المربعة الشكل ذات الألوان الثلاثة الجميلة الزاهية المستمدة قوتها من أجزاء «الكون الثلاثة» فاللون الأخضر يرمز للأرض واللون الأزرق الغامق يرمز للبحر واللون الأزرق الفاتح يرمز للسماء، ومن هنا تبرز وتظهر وتتبلور أهمية سلاح الإشارة وخطورته إذ هو وحده السلاح القادر على الاتصال وربط أجزاء الجيش الرئيسية الثلاث بعضها بالبعض براً وبحراً وجواً بمواصلات جيدة في كل الوقات وبهذه المقاييس تقاس أهمية سلاح الإشارة للجيش إذ هو يعد بمثابة أهمية الجهاز العصبي لحسم الإنسان. الجزء الثاني وهو عبارة عن تمثال مصغرة صنع من مادتي الفضة والبرونز« للعداء». حامل الشعلة ذو الأكعاب المجنحة وهو يقف على الكرة الأرضية مستنداً على ثلاث كلمات صغار في حروفها عظيمة في معناها ومدلولها وهي: دقة.. سرعة.. أمن.. ولهذا العداء قصة تاريخية لا تخلو من الطرافة إذ يحدثنا المؤرخ الكبير الميجر جنرال ج.ف. ك فولر في الجزء الأول من كتابه «المعارك الفاصلة في العالم الغربي» بأن مجاهداً عظيماً يسمى «فلبيدس» حمل نبأ انتصار اليونان على الفرس في موقعة «مارثون» سنة 491 قبل الميلاد، وبدأ يعدو من المكان الذي دارت فيه رحى المعركة حتى أثنيا، وكانت المسافة بينهما فوق المائة ميل بكثير وأوصل خبر الانتصار لشعب أثينا في سرعة فائقة ووقع على الأرض ومات في توه.. وتخليداً لذكراه اعتبر العداء حامل الشعلة وهي شعلة النصر والأكعاب المجنحة وهي دليل السرعة رمزاً لسرعة انتقال الأخبار، كما خلدت تلك الموقعة بإطلاق اسمها على سباق المسافات الطويلة في الألعاب الأولمبية إشارة للعداء العظيم الذي جعلته معظم أسلحة الإشارة في جيوش الأمم المختلفة رمزاً لها في السرعة.. شعار الإشارة دقة سرعة أمن إن من أهم العوامل الرئيسة التي تكفل وتضمن لأي سلاح إشارة تأدية أعماله بنجاح سواء كان ذلك أيام السلم أو إبان الحرب يتوقف على كفاءة وتدريب رجاله على تدريب وفنون وتكتيك الإشارة المختلفة من جهة ومرونة وجودة أجهزته ومعداته من جهة أخرى، وعليه فقد اختيرت هذه الكلمات الثلاث: دقة سرعة أمن.. لتكون بمثابة تذكرة وعظة لجميع أفراد سلاح الإشارة ليضعوها دائماً وأبداً نصب أعينهم نبراساً يقتدون به في سرعة إنجاز أعمالهم وأصبحت هذه الكلمات الثلاث بمثابة شعار عالمي بالنسبة لأسلحة الإشارة بالجيوش المختلفة ويعمل كل جيش لتوفير وتدعيم هذا الشعار في سلاح إشارته يصل به درجة الكمال في الكفاءة والتدريب والمرونة، ونحن بدورنا في سلاح إشاراتنا العتيد لا نألو جهدًا في العمل على توفير وتدعيم هذا الشعار. وفي حديث موجز مبسط أسوق لك الحديث أنت يا جندي الإشارة خاصة لأبين لك المعاني الدفينة التي تنبثق من شعارك هذا، لتكون على بينة بما يحتمه عليك واجبك المقدس في كل لحظة حتى تعمل أنت بدورك قصارى جهدك لتدعيمه وصيانته والمحافظة عليه. الدقة وضعت الدقة في المكان الأول لأهميتها، فيجب أن تكون الإشارة دقيقة لأبعد حدود الدقة ويجب أنه تكون صحيحة فرب غلطة بسيطة أو إهمال أو نقص أو تخمين أو إضافة بسيطة تؤدي إلى كارثة كبرى، كما أن الدقة تتطلب العناية الفائقة والاهتمام بالأجهزة والمعدات وملاحظة صيانتها وكفاءتها وحفظها دائماً وأبداً على استعداد تام للعمل تحت أقسى الظروف الزمنية أو الجغرافية والدقة أيضاً تشمل التدقيق في البرامج والتدريب والتعليم وللعاملين في هذا السلاح وبث روح النظام والتعاون فيهم وجعلهم رجالاً أقوياء مخلصين أمناء يمكن الاعتماد عليهم. السرعة من مميزات هذا العصر ومن مميزات المدنية الحديثة السرعة ففي كل ميدان نجد التنافس في السرعة يتخذ مكان الصدارة ويشغل بال المفكرين. فنجد مفكِّراً يعصر ذهنه لكي يوفر دقائق قليلة أو لحظات في مشروع ما. العربة اخترعت لتساعد على السرعة ثم اخترعت الطائرة لتوفر نقلاً أسرعَ وتطورت إلى أن اخترع الجهاز النفاث الذي زاد من سرعة الطائرة، وكذلك اخترع التلفون والتلغراف.. كلها وراء السرعة في الاتصال. وهذه الصواريخ التي تتسابق الدول الكبرى وتتنافس في ميدانها كلها تهدف للسرعة الفائقة وحتى هذه الأقمار الصناعية السابحة في الفضاء التي توصل إليها كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدةالأمريكية تهدف إلى السرعة في معرفة أخبار الفضاء. كل دولة كبرى تريد أن تسرع لكي تصل قبل غيرها. أما بالنسبة لسلاح الإشارة فالسرعة تعني الكثير والكثير جداً وهي تلعب دوراً خطيراً في تقرير مصير المعارك فالإشارة والرسائل يجب أن تصل بسرعة فائقة بين القائد ووحداته وتشكيلاته المختلفة في الميدان وعليه فكلما كانت السرعة فائقة مع الدقة كانت النتائج أحسن وأفضل. الأمن السريّة من المبادئ الأساسية في الفنون العسكرية فأي عملية ناجحة لا تتم إلا إذا توفرت فيها السرية التامة، فلا يظهر من الخطة المقررة إلا الجزء الذي سينفذ وحسبما تقتضي ظروف المعر كة وأن أي جزء أو خبر يظهر في وقت غير وقته المناسب عن طريق تسرب الأخبار يفشل الخطة ويعرض حياة الكثيرين للمهالك والأخطار، ولذا فإن سلاح الإشارة يعني كثيراً بأمن الإشارة ولا يألو جهداً في تحقيق ذلك مهما كانت الظروف. والأمن في الإشارة من جميع زواياه يتطلب الحرص الكامل والحذر الشامل والتقيد بقواعد وقوانين الإشارة في كل صغيرة وكبيرة وعدم الإباحة مطلقاً بمحتويات الإشارات والرسائل المتداولة كما يتطلب عدم الإهمال والإفراط في الأحاديث الخاصة «الونسة» فربما تجر مثل هذه الأحاديث الويلات التي تدمي وتنزل بالجيش الضرب الذي يوجع. ممات قدم شرحه لهذه العلامة المميزة لسلاحنا الحبيب «الإشارة» يظهر جلياً ما تحمله بين طياتها من معانٍ خطيرة ومسؤوليات جسام تلقيها في ثقة أمانة في أعناقنا ضباطاً وجنوداً، وعليه فإنني أناشدكم وأهيب بكم جميعاً أن يعمل كل منكم في محيط عمله واختصاصه لتحمل شرف هذا العبء ولنبرهن للآخرين أننا أشداء أقوياء جديرون بتحمل هذه المسؤوليات والأعباء الضخمة واضعين نصب أعيننا دائماً وأبداً، سواء كان ذلك أيام السلم أو إبان الحرب أو أثناء رحى المعركة واجبنا المقدس وشعارنا الخالد. دقة سرعة امن