تناولنا في العدد السابق موضوع التفتيش القانوني، وذكرنا أنه إجراء من إجراءات التحقيق، وتناولنا أنواعه وخطورته وذلك لأنه يهدِّد الحرمات وحرمة المساكن مع عدم وجود نص قانوني في التشريعات العادية إنما تنص عليه القوانين الاستثنائية وقوانين الطوارئ معتمدين في ذلك على دراسة علمية أعدها نبيل حسن خالد لنيل بكالريوس القانون بجامعة الرباط الوطني، وفي حلقتنا هذه نواصل الحديث حول بطلان التفتيش وشروطه مع التعرض لبعض الأحكام القضائية. بطلان التفتيش ليس هناك ما يمنع من القول ببطلان التفتيش الذي يقع بمخالفة الأحكام والشروط استنادًا إلى نص المادة «331» إجراءات جنائية من أنه يترتب البطلان على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري ويترتب على ذلك بطلان باقي إجراءات التحقيق المستندة إليه مثل ضبط الأشياء أو الأدلة، وقد حددت الإجراءات شروطًا عامة في بطلان التفتيش، والدفع بالبطلان وإثبات صدور إذن التفتيش، وفي هذه جاء أن تفتيش ضابط الشرطة لمنزل متهم بغير رضاه لا يكون صحيحًا إلا إذا كان الضابط مأذونًا من النيابة بإجراء هذا التفتيش، وعالمًا بهذا الإذن قبل إجراء التفتيش فعلاً، على أن مجرد سهو الضابط عن الإشارة في محضر التفتيش إلى الإذن الصادر من النيابة لا يكفي للقول بأنه لم يكن عالمًا بهذا الإذن من قبل إجراء التفتيش، فأخطاء التفتيش تبطل نتائج التحقيق ولو أدى الى اكتشاف جريمة جديدة. أحكام قضائية للتفتيش بتاريخ 13/10/1980 أدانت محكمة جنايات الخرطومجنوب متهمين بمقتضى المادة «4» من قانون الحشيش والأفيون وقضت بالسجن لكل منهما لمدة عام من تاريخ المحاكمة وأيد قاضي المديرية الإدانة والعقوبة، استأنف محامي المتهمين مستندًا إلى ما أشار إليه من أخطاء قبل إجراء التفتيش تمثلت في عدم فتح بلاغ قبل التفتيش، ودخول منزل المتهمين عبر الحائط، وفي عدم إبراز أمر التفتيش ساعة التسلق، وفي عدم تنفيذ الأمر بواسطة الشخص الموجه إليه، وفي عدم الشهود ساعة تسلق البوليس للحائط، وفي تقديم الإناء الذي يدّعي البوليس أنه وجد بداخله المضبوطات، كل ذلك مما يُسقط الآثار والبينات المترتبة على التفتيش. ذهب بعض القضاة إلى أن عدم التقيُّد بهذه الضوابط يحجر كل البينات المتحصلة عن طريقها، فقد حكمت محكمة الاستئناف شرق السودان أن إجراءات التفتيش بدون أمر صادر عن قاض أو محكمة يعتبر باطلاً، وكل ما يترتب على ذلك باطل حتى لو أدى التفتيش إلى اكتشاف جريمة، وقررت محكمة الاستئناف برئاسة مولانا الصادق سليمان وعضوية مولانا عثمان أحمد محمد نور ومولانا مصعب الهادي في حكومة السودان إلغاء أحكام المحاكم الأدنى والعقوبة، وإطلاق سراح المتهم فورًا ما لم يكن أمر حبسه في بلاغ آخر وتأييد أمر إبادة الحشيش والمعروضات. خلاصات ونتائج مما سبق خلصت الدراسة إلى أنه لم يعرِّف قانون الإجراءات الجنائية تعريفًا جامعًا وواضحًا للتفتيش وضوابطه، ولم تول الدساتير والقوانين السودانية الحق في حرمة الحياة الخاصة والرعاية والاهتمام وقوة النص المطلوبة، الحق في حرمة الحياة الخاصة وحرمة المسكن ليست حقًا مطلقًا إنما يجوز المساس به إذا دعت إلى ذلك مصلحة المجتمع وحفظ أمنه ونظامه العام، وأهم ما أوصت به الدراسة أنه يتوجب على الأشخاص الذين يقومون بإجراء التفتيش أن يطبقوا ضوابط التفتيش على أحسن وجه وذلك لتحقيق العدالة ولا بد من حماية أفراد المجتمع وسرية حياتهم الخاصة وسرية معاملاتهم من خطر الوسائل العلمية المتطورة.