قبل سنوات مضت نُشر تعليق للإذاعة اليهودية جاء فيه «إنَّ عودة الروح الدينية للظهور من جديد في المنطقة تشكِّل تهديداً مباشراً لمستقبل إسرائيل ولمستقبل الحضارة الغربية بأسرها، إنّ على اليهود وأصدقائهم أن يدركوا الخطر الحقيقي الذي تواجهه إسرائيل هو خطر عودة الروح الإسلامية إلى الاستيقاظ من جديد، وإنَّ على المحبين لإسرائيل أن يبذلوا جهدهم لإبقاء الروح الإسلامية خامدةً لأنَّها إذا اشتعلت من جديد فلن تكون إسرائيل وحدها في خطر ولكن الحضارة الغربية كلها ستكون في خطر».. وكان التعليق متصلاً بأمر اللجنة التي شُكَّلت في إسرائيل لدراسة ظاهرة «صلاح الدين الأيوبي» حتى يعملوا على تفادي ظهوره من جديد في العالم الإسلامي. ظلّ العالم الإسلامي يعاني من هزائم نفسية وحوادث متوالية وهجمات شرسة تستهدف قواه الروحية والمادية، والبشرية والمعنوية، وتستهدف استنزاف موارده الاقتصادية وتحطيم بنائه الاجتماعي، وآدابه وقيمه وسلوكياته الحياتية، كما تستهدف قوته السياسية والحربية حتى لا يعود كما كان أُمة قائدة حضارة، وحاملة رسالة، ورائدة فكر، وحتى يظل المسلمون بعيدين عن مصادر قوتهم وفي حالة تمزُّق وتحزُّب، وجهل وتخلُّف، وحتى تتوافر لليهود الأجواء المناسبة التي يحقِّقون فيها انتصاراتهم ويوسعون احتلالهم ويظنون أنّهم قد حققوا أهدافهم في الحياة وطموحاتهم في دولةٍ ووطن. وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم وألقينا نظرةً على الآيات التي تحدَّثت عن طباع اليهود وحقيقتهم التي لا تتغير وجِبلتهم التي لا تتبدّل لرأينا أنَّ هذه الفترة فترة القوة والسلطان البادية من اليهود إنَّما هي فترة مؤقتة في التاريخ سرعان ما تنتهي عندما تعود الأُمة لأسباب عزتها ودواعي قوتها، وروابط إخائها، لقد واجه اليهود في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم جُنداً ينظرون إلى اليهود بمنظار القرآن الذي حدَّد أحجامهم وضآلتهم وقزامتهم، وأنَّهم مهما أُتوا من القوة وامتلكوا من السلاح يُرهبون المسلمين الصادقين ويفزعون من مواكب الإيمان وشعارات «الله أكبر» و «لا إله إلا الله» فقوتهم مظهر خادع ووعد الله فيهم نافذ لا محالة، فهم كما قال القرآن لا يقاتلون المسلمين وجهاً لوجه وشجاعةً وجسارةً، ولكن من وراء جُدر سواء أكانت دبابات أم مدرعات، أم طائرات أم صواريخ، أم قلاعاً حصينة، ومستعمرات فولاذية «لأنْتُم أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِن اللهِ ذَلِكَ بأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يُقَاتِلُونَكمْ جَمِيْعَاً إلا فِي قُرَىً مُحَصَّنَةٍ أَو مِنْ وَراءِ جُدُر بَأسُهُم بَيْنَهُم شَدِيد تَحْسَبَهم جَمِيْعَاً وقُلُوبَهم شَتْى ذَلكَ بأنَّهُم قَوْمٌ لا يَعْقِلُون». والقرآن الكريم يخبرنا بأنَّهم جُبناء جُبلوا على الخوف والرعب حتى في أحسن أجيالهم حيث خذلوا النَّبي موسى الذي وعدهم بالأرض المقدسة إذا ما صدقوا في محاربة الكفار، ومع وعد الله لهم: «قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدَاً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ». ويُبيِّن لنا القرآن أنَّ مِن أسبابِ جُبن اليهود تعلُّقهم بالحياة وحُبُّهم لها مهما كان نوع الحياة التي يعيشونها ومهما سِيموا فيها من الذُلِّ والهوان، فهم لا يحاربون دفاعاً عن عقيدة أو حرصاً على قيم ومبادئ أو حمايةً لدولة أو أرض أو مقدسات؛ إنَّما يحاربون خوفاً من الموت وحُبَّاً وتعلُّقاً بالحياة المقدسة لديهم «وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَو يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هَوَ بُمزَحْزِحِهِ مِنَ العَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ». لقد حكم الله على اليهود بالذلة والمسكنة واللعنة والغضب بعد أن قابلوا نِعمه بالجحود، وأنبياءه بالتكذيب، وأوامره بالعصيان، وآياته بالكفر حيث حكم الله عليهم بقوله: «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُو بَغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَكَانُواْ يَعْتَدُونَ» فالله قد حكم عليهم بالذِّلَّة والمسكنة لأنَّهم نقضوا عهودهم مع الله وكذَّبوا رُسله وقتلوا فريقاً منهم وكفروا وفسقوا ورفضوا الإيمان بالله، وعاشوا على سفك الدماء والقتل والاستيلاء على حقوق الآخرين، وأراضيهم وممتلكاتهم. وقد اقتضت سنة الله أن ترتفع عنهم الذِلّة والمسكنة في فترات من التاريخ ويتحقق لهم نفوذ وسلطان، وقوة وبأس كما في زماننا هذا ، وذلك عندما تبتعد الأُمة الإسلامية عن مقومات خيريتها، وأسباب وجودها، وأُسس عزتها وكرامتها المتمثِّلة في جعل شريعة الله نظاماً وكتاباً ودستوراً، ودينه منهج حياة ومُوجِّه سلوك، فحبل الناس ممدود إليهم من المسلمين أنفسهم بضعفهم، وتمزُّقهم وبُعدهم عن دينهم ومصادر قوتهم، واستكانتهم وخضوعهم لأعداء دينهم واتخاذهم اليهود والنصارى أولياء يستشيرونهم ويتقرَّبون إليهم، كما أنّ الحبل ممدود من قوى الشر والإلحاد في الشرق والغرب يعززونهم بالقوى البشرية، والكفاءات العلمية، والمساعدات المادية والاقتصادية والعسكرية، وحبل الله ممدود إليهم لحكمةٍ يعلمها وقَدَرٍ يُقدِّره، ولكنه سينقطع ذات يوم ليتحقق حكم الله الدائم والتشريد والغضب «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ العَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» إنّ على المسلمين أن ينظروا لصراعهم مع اليهود من المنظار الذي ينظر به اليهود إليهم، وهو منظار الدين والتوراة في زعمهم، فالقرآن بيَّن لنا طبائعهم حقيقتهم ومواقفهم من الأنبياء ونقضهم الدائم لعهود الله ومواثيقه، وإذا كان ذلك موقفهم الدائم مع الأنبياء فإنَّنا لا نأمن لهم عهداً ولا موثقاً كما لا نثق في من يتابعونهم وينفذون خططهم وأفكارهم وأحقادهم كما نرى من دولة الجنوب التي تفتقد أبسط مطلوبات الدولة وأخلاق الأمة المتحضرة المتطلعة لحياة أفضل ومستقبل مشرق.