٭ هل ارتكبت المعارضة في برلمان دولة جنوب السودان جريمة الخيانة الوطنية حينما طالبت أمام رئيس الدولة سلفا كير في آخر جلسة أمس الأول بانسحاب الجيش الشعبي فوراً من مدينة هجليج السودانية؟!.. وألا تعلم المعارضة داخل برلمان دولة جنوب السودان أن هجليج الواقعة في العمق السوداني وبينها وحدود عام 1956م عدة مناطق، ألا تعلم أنها سودانية، ولذلك رد سلفا كير على مطالبتها بالانسحاب بالدفاع عن قرار احتلالها باعتبارها منطقة تابعة لدولة جنوب السودان؟!. ثم إن سلفا كير نفسه كان قد قايض هجليج بأبيي، وأراد أن تتنازل الحكومة السودانية عن أبيي وتنسحب منها مقابل انسحابه من هجليج. والسؤال: هل بهذه المقايضة الغريبة يكون سلفا كير قد تنازل عن منطقة تابعة للسودان في مقابل منطقة أخرى يرى أنها تابعة لدولته الجديدة وهي أبيي، وبذلك يكون أراد استردادها من خلال احتلال منطقة سودانية؟!.. أم يريد القول إن المنطقتين تابعتان لدولته لكنه يريد استرجاع واحدة منهما فإما أبيي وإما هجليج؟!. لكن هذا ما لم يقله في برلمان دولته «دولة الشاويش». فهو قد قال «هجليج تتبع لدولتنا».. وكان هذا بعد مطالبة المعارضة هناك بالانسحاب منها. وهذه المعارضة لم تطلب منه قبل هذا التخلي عن أبيي، لكنها الآن تطالب بالانسحاب من هجليج.. والسبب هو أن تبعية هجليج واضحة بالنسبة لها هي ولغيرها، لكن تبعية أبيي قد لا تكون واضحة بالنسبة لها هي مثلما واضحة لغيرها داخل السودان ولدى أساتذة التاريخ الإفريقي في الجامعات البريطانية مثلاً. وفي ذات السياق أشار سلفا كير وهو يرد على المعارضة الجنوبية المطالبة بالانسحاب من هجليج أشار إلى فكرة فرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي على الخرطوموجوبا حيث قال وكأنه يطمئن المعارضة: «كلّهم أصدقاؤنا ولن يفرضوا علينا عقوبة أبداً». وانظر هنا كيف يفضح سلفا كير ما قام به من احتلال لهجليج في إطار تآمر أجنبي أمريكي صهيوني، وبهذه الفضيحة البرلمانية في جنوب السودان ترى كيف يكون شعور حركات التمرد الدارفورية في حلف الجبهة الثورية التي يقودها مالك عقار ويقود جيشها عبد العزيز الحلو؟!.. سيتساءل أهل دارفور: ما علاقة مطالب دارفور بما تفوه به سلفا كير راعي الجبهة الثورية في البرلمان الجنوبي؟! وهل إذا وصلت الجبهة الثورية إلى الحكم ستوافق حركات دارفور على التنازل عن هجليج وأبيي للدولة الجديدة كرد جميل للحركة الشعبية مثلما ردت الحركة الشعبية نفسها لجميل لكينيا ويوغندا بغض الطرف عن منطقتي قولو ومثلث ألمي لإستضافتهما قوات قرنق؟!. إذن فسلفا كير يضع في بطنه «بطيخة صيفي» من جهة فرض عقوبات عليه من المجتمع الدولي، ويرى أن العقوبات تستحقها الخرطوم إذا لم تتنازل عن هجليج للحركة الشعبية ريثما يسقط حكمها في جوبا وتعود بعد ذلك بقرار من الحكام الجدد العقلاء.. هكذا يكون الأمر على ما يريده الآن سلفا كير. أو الأحرى القول بأن حكومة جوبا تشعل حربًا بالوكالة لصالح الأجندة الأجنبية، ولكل دوره دور سلفا كير هو الادعاء الساذج بأن هجليج تابعة للجنوب وفي نفس الوقت يمكن مقايضتها بأبيي. وهذا بالطبع يدل على أن هجليج وأبيي معًا لا علاقة لهما بالجنوب، ودور المجتمع الدولي وجماعة سوزان رايس هو أن تتحدث عن فرض عقوبات على الخرطوموجوبا معاً إذا لم تقف الحرب، ووقف الحرب يعني هنا استمرار احتلال هجليج من قبل الجيش الشعبي إلى أن يأتي سيناريو قرار قضائي يقول في أحسن الفروض بتقاسم «المنطقة السودانية» بين الخرطوموجوبا. لكن لماذا تتحدث رايس في مجلس الأمن عن وقف الحرب ولا تتحدث عن الانسحاب الذي طالبت به المعارضة في برلمان دولة الجنوب؟!. ما هو رأي مجلس الأمن الدولي في مطالبة المعارضة البرلمانية في جوبا بانسحاب قوات حكومة الحركة الشعبية من هجليج؟! إن رأيه هو حتى ولو لم يفصح عنه هو أن المعارضة البرلمانية في دولة جنوب السودان تسبح عكس تيار المصالح الغربية والصهيونية وإن كانت على صواب.. وطبعاً المعيار في السياسة الخارجية الأمريكية والإسرائيلية ليس هو الصواب والخطأ، وإنما هو ما يحقق المصلحة ولو بارتكاب الخطأ. وإذا كان مجلس الأمن لا يستطيع معاقبة جوبا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمين.