ما أعجب هذا الكتاب!! هكذا القرآن.. كتاب الله الذي تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرناً من الزمان.. ومن عجائبه ومعجزاته أنه كلَّما حدث في حياة المسلمين حدثٌ شغلهم وأهمّهم وأقامهم وأقعدهم.. عمد أحدهم إلى كتاب الله فاستخرج منه آية فتلاها.. ثم نظر إلى الحدث ثم تلا الآية.. ثم أعاد التأمل في الحدث.. تأخذه الدهشة بل الانبهار.. وكيف لا ينبهر وهو يتلو الآية وكأنها لم تنزل إلا الساعة.. وكأنها لم تنزل إلا في هذا الحدث.. ولم تنزل قبله.. انظروا إلى الحدث الذي نعيشه اليوم.. هجليج.. والحركة الشعبية.. وسلفا كير.. وهذا النصر الذي تحقق وهذه البشريات ثم اقرأوا قول الله سبحانه وتعالى: (ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ الخَوفِ وَاْلجُوعِ ِوَنَقْصٍ مِّنَ الأمْوَالِ وَالَأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». انظروا الى الاحتلال.. احتلال هجليج.. التي كان يجب أن تكون حصينة ومؤمنة ومحروسة وأن يكون التفكير في احتلالها هو آخر ما يخطر على البال ومع ذلك يأتي الخبر بالتأكيد.. مرتين.. مرة باللام.. وأخرى بالنون و«لنبلونكم» .. ثم يأتي الخوف.. والجوع الذي يهدد الأمة من نقص المواد.. نقص البترول.. ونقص الأموال والأنفس.. الشهداء والقتلى.. والأسرى.. ونقص الثمرات وهو أمرٌ لا تراه العين ولكن يتخيله الخاطر.. وتتحاماه النفس.. ورغم كل هذا تأتي الخاتمة سريعة.. وعاجلة.. وتأتي بالبشريات.. وبشر الصابرين.. وتنظر إلى الناس جميعاً بعد إعلان تحرير هجليج.. يخرجون زرافات ووحدانا يملأهم الفرح الغامر.. والنشوة.. والسرور.. والانشراح ولا ينسون الشكر في هذه اللحظات شكر المنعم.. إن الله يريد أن يُعلم أهل السودان.. وأهل الإنقاذ على وجه الخصوص.. يعلمهم معنى العبودية لله.. العبودية لله تتحقق.. بهذه الابتلاءات التي تنزل لا يمنعها الحذر ولا تحول دونها الحيطة.. إنها من أقدار الله .. والعبودية تتحقق بالصبر على هذه الابتلاءات.. الصبر الذي لا يخالطه ولا يشوبه جزع.. ولا تفسده الشكوى وتتحقق العبودية أيضاً بالشكر.. الشكر الذي لا يخالطه ولا يشوبه كبر.. ولا يفسده بطر.. تنظر إلى أهل السودان اليوم.. فتفهم معنى قوله «وبشر الصابرين». ليت الإنقاذ تفهم أن الاستحقاق الكامل للنصر لا يتحقق بالصبر الذي قبله.. بل لا يتحقق إلا بالشكر الذي بعده.. ليت الإنقاذ تعلم أن احتلال هجليج جاء نعمة في نقمة.. جاء نقمة لأنه كان خطأ وتقصيراً.. وغفلة.. وجاء نعمة لأنه جاء بالشكر والتوبة والأوبة.. وجاء بالتبصرة والهداية.. والعلم اللدني.. والفهم.. لقد بدا الآن واضحاً وجلياً لأهل الإنقاذ أن الصراع بين أهل الشمال والجنوب لا يدور حول الظلم والجور لا في السلطة ولا في الثروة.. بل هو لا يدور حول العرق ولا اللون ولا الملة.. فالسودان قبل الانفصال وبعده أعراق مختلفة.. وألوان متقاربة حيناً ومتباعدة أحياناً.. أما الملة فلم يكن أهل السودان يتعاملون في الشأن الإنساني مع غيرهم في الداخل والخارج على أساس اختلاف الملة أو المعتقد.. والأدلة قائمة ومشاهدة. جاء الاحتلال نعمة لأنه جمع الناس ووحدهم تحت راية واحدة هي راية لا إله إلا الله.. راية التهليل والتكبير.. راية الصبر والحمد والشكر والإخبات.. جاء نعمة لأن أهل الإنقاذ بدأوا يدركون أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي ليسوا طلاب حرية ولا طلاب عدالة.. جاء الفهم نعمة كبرى جاءت من نقمة احتلال هجليج.. ولعل الله سبحانه وتعالى قد قيض الاحتلال «لتستفيق الإنقاذ من غفلتها» وتدرك معنى قوله تعالى «وما النصر إلا من عند الله» .. فالله يصنع النصر ويصنع له أسبابه.. فالنصر الحقيقي هو عودة الوعي إلى الإنقاذ وليس عودة هجليج إلى السودان.. لأن هجليج أصلاً كانت وستظل جزءاً من السودان وبضعة منه. هجليج ذهبت ثم عادت.. والوعي عاد ولم يكن موجوداً أصلاً.. إن الذي يجري الآن في السودان يدور حول آية واحدة من كتاب الله.. وكأنها ما نزلت إلا فيه. لما تلا الصديق على أسماع الفاروق رضي الله عنهما الآية: «وَمَا مُحَمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ» سقط السيف من يد عمر وقال والله لكأني لم أقرأها من قبل.. وكأنها نزلت الساعة.. أو هكذا.. إن على الإنقاذ أن تعلم أن هلجليج بداية ومرحلة جديدة.. إن على الإنقاذ أن تعلم قبل أن يعلم سيلفا كير.. أن هجليج جبّت ما قبلها.. وأن التدليل الذي كان ينعم به الجنوب أصبح فوق الطاقة.. وفوق الاحتمال.. وعلى الإنقاذ أن تعلم أن المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد هجليج، ليست هي مرحلة الانبطاح.. أو قل اللطف.. والدماثة. والتفضل .. والإيثار.. إن المرحلة القادمة هي مرحلة القوة.. والحزم والعزم والصرامة.. إن المرحلة القادمة هي مرحلة السطوة.. والمهابة.. والصلابة.. هي مرحلة يفصلها قوله تعالى «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ ...» وهي مرحلة يبيِّنها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «نصرت بالرعب مسيرة شهر». يجب أن تعلم الإنقاذ قبل أن يعلم سيلفا كير أن المرحلة القادمة هي مرحلة الطلب.. لا مرحلة الدفع.. يجب أن تعلم الإنقاذ قبل أن يعلم سيلفا كير أنه لم يعد في الجنوب دولة.. وأن هجليج جبّت نيفاشا.. وأن الذي في الجنوب اليوم هو تمرد.. وعصابات.. يجب أن تعلم الإنقاذ قبل سيلفا كير أن الطلب هو الذي يولد الرعب في قلوب الأعداء.. وليس الدفع.. إن الطلب هو الذي يزرع الرعب في قلوبهم.. وهو الذي يوفر الأمن والسكينة في ديارنا وفي قلوبنا. عندما كنا نطارد فلولهم في الغابات.. ونضيِّق عليهم الخناق ونطلبهم طلباً حثيثاً رغم أنهم هم الذين بدأوا بالشر والكيد والتمرد.. رغم ذلك لم يكونوا يجترئون علينا يومها كما يجترئون علينا الآن.. لقد ولد الإعداد .. والقوة والرعب والمهابة في قلوبهم.. إن الذي يجب أن تعلمه الإنقاذ قبل سلفاكير وقبل إسرائيل.. وقبل أمريكا.. وقبل حكماء الإيقاد.. وقبل الدنيا كلها.. إنه لا تفاوض بعد اليوم.. ولا إدريس بعد اليوم ولا خطيب بعد اليوم.. ولا أديس بعد اليوم. وعلى أي شيء نتفاوض؟ على حدود 56؟ لقد قبلناها ولم يقبلوها؟! أرادوها إلى حلفا!! أم على قيام الدولة المسخ المشوّه؟! لقد أقمناها لهم فحوّلوها إلى عصابات تمرد.. ولم يكلفوا خاطرهم أن يبحثوا لها عن اسم فهم يحلمون بالسودان الجديد!! كل السودان من نمولي إلى حلفا!! أم هل نتفاوض على الحريات الأربع؟ حتى هذه لم يكن عندهم الصبر والجلد ليكملوا حولها التفاوض.. وهذا من نزقهم وكيدهم فقد كان إدريس وسيد الخطيب أحرص عليها من باقان وسيلفا كير ودينق ألور! بل أحرص عليها من عرمان!! وأقول أخيراً وليس آخراً.. فليعلم سيلفا كير والحركة الشعبية والجيش الشعبي ودعاة سودانهم الجديد.. قبل أن يعلم البشير والإنقاذ.. وقبل إدريس والخطيب.. وقبل صقور الإنقاذ وحمائمها.. قبل هؤلاء جميعاً ليعلم سيلفا كير ومن معه أنه قد آن أوان سوداننا الجديد سوداننا نحن.. سودان الإسلام والشريعة من نمولي إلى حلفا ومن البحر الأحمر إلى تشاد وإفريقيا الوسطى.. ولن ننتظر بكم عيسى عليه السلام.. فعيسى عليه السلام وراء الأكمة. سنقول له معذرة إلى الله يا نبي الله.. إن هؤلاء قد رفضوا البشارة وغدروا بنا.. وآذونا.. فحقت عليهم النذارة.. قاتلونا بالصليب فكسرناه.. وآذونا بالخنزير» فقتلناه.. وما أكثر خنازيرهم يا نبي الله. يقول نبي الله عيسى بلسان الحال.. وأنا ما جئت إلا على شرعتكم وشرعة نبيكم عليه الصلاة والسلام.. وما أنا إلا ميقات وميعاد.. فلا جزية بعد اليوم.. وليعلم سلفا كير وعرمان وجنودهما أن نبي الله عيسى عليه السلام.. وراء الأكمة.. وليس بيننا وبينه كثير ولا قليل.. وليعلم سلفا كير وعرمان وجنودهما أنه قد انقضى زمان المواطنة والحريات الأربع.. والتفاوض.. والدغمسة والانبطاح.. وقد أشرق فجر السودان الجديد.. سودان «الإسلام» الجديد.. وطلعت شمسه.. وهلّت بشائره.. وبشاراته.. لقد«جاء» و«أشرق» و«استعلن» في هجليج.. ومعه «ربوات الاظهار» من الدفاع الشعبي والقوات المسلحة وحكماء الإنقاذ لا حكماء الإيقاد. ألا هل علم الفريقان؟ ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد