عجبت لعجب بعض الناس من إحجام حزب المؤتمر الشعبي المشؤوم عن إدانة غزو حركة التمرد الجنوبية لمدينة هجليج. ولم أر لعجب الناس داعيًا أو تبريرًا طالما أن بقايا عصابات ما يسمى بحركة العدل والمساواة، التابعة لما يسمى بحزب المؤتمر الشعبي، كانت قد تخللت جند الغزو الجنوبي العادي وتلثَّثت بهم! فقد ثبت أن أكثر من مائة سيارة دفع رباعي منهوبة من أموال الشعب الليبي، جلبها الهالك جبريل معه، حملت مجندي عصابات العدل والمساواة، من أطفال وشباب دارفور المختطفين، ودفعت بهم إلى أجيج هجليج. وأمس اندفع قسم آخر من عصابات المؤتمر الشعبي، المسماة بعصابات العدل والمساواة، انطلاقًا من أرض الجنوب إلى منطقة سيسبان، التابعة لمحلية كتيلا، بجنوب دارفور، وقامت بتدمير برج الاتصالات الهاتفية بالمنطقة، ونهبت سوق المنطقة، وعبَّأت كميات من الوقود، ثم دهمت منطقة أم دافوق قبل أن تلوذ بالفرار إلى أرض الجنوب. وقبل أسابيع كان أتباع الدكتور حسن الترابي، من فلول حركة العدل والمساواة، قد اندفعوا في حركة الغزو الجنوبي الأولى لهجليج، وهي الحركة التي تم دحرها قبل أن تنجح الغزوة الثانية في اختراق المدينة. أهداف عصابات الترابي ولم يكن صعبًا معرفة هدف عملاء حزب المؤتمر الشعبي في الغزوتين كليهما. فقد هدفوا إلى تدمير منشآت صناعة النفط في المدينة، ليلحقوا أكبر الضرر بالاقتصاد السوداني، ظانين أنهم يسددون بذلك ضربة قاتلة إلى نظام الإنقاذ، الذي حذفهم من معادلة الحكم، وجرفهم من تيار القوى السياسية الوطنية، فاتجهوا إلى التحالف السياسي والعسكري، غير المبدئي، وغير الأخلاقي، مع كل من يعادي نظام الانقاذ. وقد فارقت ألباب أرباب المؤتمر الشعبي أسباب الحكمة ودواعي الصواب، فانخرطوا في عداء متطرف لدولة الانقاذ، جازوا به كل الخطوط الحمر، حتى انزلقوا في عداء مباشر مع كل توجه سياسي شعبي وطني شريف. وصاروا أقل التزامًا في مجال الوطنية، وأكثر تماديًا في المساعي الانتهازية، وأشد إلحاحًا في اللؤم، وأقل رصيدًا في الحياء من قيادات الحزب الشيوعي السوداني. فقد اضطرت قيادات الحزب الشيوعي، إثر الضغط الشعبي القوي، وتحت وطأة الشعور السافر بالحرج، إلى إصدار بيان متلجلج، عبروا فيه عن معارضتهم الحذرة لخطة حلفائهم الاستراتيجيين وأوليائهم الحميمين من الجنوبيين في غزوهم لإقليم هجليج. ثم توقف القادة الشيوعيون على مسافة حالت بينهم وبين الوصول إلى المحطة المطلوبة التي بلغها غيرهم، فلم يدينوا الغزو صراحة، وخلطوا الأمور ولبَّسوها، وساووا بين الجاني والمجني عليه في قولهم المبهم: «لا شك في أن احتلال هجليج لا يخدم قضية لأي من دولتيْ السودان. وسيضر بمصالحهما ومصالح شعبيهما معاً». وأضافوا إلى ذلك دعوتهم الباطلة للحكومة السودانية لإيقاف اعتداءاتها على أرض الجنوب، فقالوا: «نرفض توسيع نطاق الحرب بقصف بانتيو»! وفي هذا القول الأخير تصديق لإرجاف الغزاة الجنوبيين، وترويج لذرائعم التي تذرعوا بها لغزو هجليج. وبالطبع فلابد لكل غازٍ مبادرٍ بالعدوان من أن ينتحل ذريعة يتكئ عليها ويسوِّغ بها عدوانه ويسوِّقه. وأقل وطنية من مريم! وأصبح قادة المؤتمر الشعبي أقل وطنية حتى من الدكتورة مريم الصادق، التي خرجت من طورها المتشنج في عداء الإنقاذ، وتجرأت هذه المرة فأدانت حركة الغزو صراحة، وتبرأت من موقفها القديم المتردد، الذي غضت به الطرف عن تصرفات ما كان يسمى بالحركة الشعبية بقطاع كردفان، وأشادت فيه بتصرفات زعيم التمرد في إقليم النيل الأزرق مالك عقار. وكانت الدكتورة «الأنصارية» قد وقفت يومها قلبًا وقالبًا مع أعداء الأنصار، وأعداء المسيرية الأحرار، حيث أبدت ترحيب ما يسمى بدائرة الاتصال والتنسيق السياسي في حزب الأمة القومي التي ترأسها:« بالحديث المسؤول والشامل الذي جاء على لسان رئيس الحركة الشعبية بالسودان الشمالي القائد مالك عقار ... والذي شمل كل القضايا الوطنية الملحة الآن وضرورة التصدي لها لمنع نشوب أي حروبات جديدة وتركيزه الواضح على ضرورة مشاركة القوى السياسية والمجتمع المدني الوطني في ايجاد حلول لكافة القضايا، وندعم هذا الاتجاه ونؤيده»! واليوم إذ نحمد للدكتورة الأنصارية إصلاحها لموقفها القديم التالف، الذي سجل في رصيدها اللا مبدئي السالب، فإننا لا نزال ننعى على حزب المؤتمر الشعبي التالف إمعانه في الغواية وانحداره في الضلال، وسدوره في سلك الخيانة الوطنية، وهو الأمر الذي قاده أخيرًا إلى الدخول في حالة عداء سافر مع كافة قطاعات الشعب السوداني الحر الأبي. عداء المؤتمر الشعبي للشعب ولكن ماذا يعني الشعب السوداني الحر الأبي لهذا الحزب غير الشعبي، المدعو بالمؤتمر الشعبي، والذي أدرك تمامًا تخلي الشعب عنه ونفوره منه؟! إن الشعب السوداني الحر الأبي لا يعني شيئًا بالنسبة للحزب المدعو بالمؤتمر الشعبي! ولذا اعتمد زعيمه خطًا آخر غير شعبي على الإطلاق، وهو خط التآمر الحربي ضد الإنقاذ والشعب والوطن. ومن قبل أرسل عناصره العنصرية الإجرامية لغزو عاصمة البلاد وترويع العباد. ويومها أدان الجميع الغزو الفاجر إلا هو، فلم يكن ممكنًا أن يدين أتباعه المجرمين، وإلا تفلتوا من بين يديه شاردين، وهو يعقد آماله عليهم أجمعين! واليوم يستدير الفصل الشائن نفسه، فعناصر الترابي العنصرية قد شاركت مشاركة فعالة في غزو هجليج الأخير. ولذا لم يكن ممكنًا أن يدين الغزو بجملته بينما عناصره الآثمة تعيث خَلَل عناصر هذا الغزو الأثيم!