٭ فكي أبكر كان في برش الإفطار قد تجلى، بعد صلاة المغرب، في دعاء طويل بليغ.. طلب فيه من الله تعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا وييسر لنا صوم باقي الشهر.. ولكن رجلاً واحداً أستاذ عماد كان قد بدأ مناكفة الشيخ، بعد أن أكمل «سيجارة البرنجي» وسرح قليلاً.. قال مقاطعاً دعوات فكي أبكر: = يا حاج الدنيا اتطورت، والعلم اتقدم، وانت لسه شابكنا في دعواتك الكلاسيكية ديك.. ما وروك أساليب الدعاء الحديثة؟! ٭ حاج الأمين كان هو من تولى الرد: أها يا المطيميس.. أساليب الدعاء الحديثة دي كمان كيفنها؟! = ركَّز معاي يا حاج، وكلِّم صاحبك فكي أبكر برضو يركز ويتعلم حاجة.. المنهجية والعلمية بقت ضرورية في أي حاجة، حتى في الدعوات، يعني ما ممكن تطلب من ربنا حاجة ما محددة وما واضحة زي دعوات فكي أبكر دي» :اللهم ارحمنا» يرحمك من شنو بالضبط؟ أو «اللهم سهل علينا صيام هذا الشهر وقيامه»!! يسهلها كيف يعني؟ التسهيل ده ذاتو ما مسألة نسبية وعلمية ومرتبطة بعوامل كثيرة!! ٭ من الطرف الشمالي للبرش صدر صوت حاد، تبين لاحقاً أنه صوت عم خضر الجزار.. قال بكلمات سريعة وهو يزدرد حبات «البليلة»: كدي خلي فكي أبكر.. ادعو لينا إنت دعاءك العلمي والمنهجي ده.. قولوا آمين يا جماعة. ٭ لم يتردد أستاذ عماد، بل رفع يديه قائلاً بصوت عميق: «اللهم يا مصِّرف الرياح.. اصنع مرتفعاً جوياً، جنوب مدني، وآخر شمال شندي، ومنخفضاً جوياً شمال الخرطوم، حتى تلتقي الرياح الجنوبية الرطبة مع الرياح الشمالية الجافة في الخرطوم، مثيرة زوابع رعدية في الخرطوم وأمطاراً تلطف لنا الجو.. آمين». ثم واصل الدعاء قائلاً: = اللهم يا من قال «وفي أنفسكم أفلا تبصرون» ارفع نسبة هورمون الأدرينالين في دمائنا حتى نزداد نشاطاً وقدرة على قيام الليل.. اللهم نشط غددنا الدرقية والنخامية، وقلل من نشاط غدد العرق في جلودنا، حتى نحتفظ بالرطوبة في أجسامنا ولا نعطش يا رب العالمين. = اللهم ثبط العصارات الهاضمة في معداتنا وقنواتنا الهضمية بالنهار، حتى لا نصاب بالحموضة والحرقان، ونشطها بالليل حتى تهضم أطنان العصيدة بالويكة.. وارفع درجة التمثيل الغذائي في أجسامنا حتى تجنبنا التخمة وأمراض القولون العصبي. ٭ فكي أبكر الذي لم يكن رافعاً يديه كان يكتفي بزمجرة ساخرة: بدع والله.. بدع.. في ذمتكم فاهمين حاجة هسع من رطانة المطموس ده؟! ٭ رد عماد سريعاً: يفهموا لي شنو؟ ما ضروري يفهموا هم ما دام ربنا سبحانه وتعالى فاهم وعارف كل شيء!! دي قوانين طبيعية يا فكي، ربنا هو السوّاها عشان تسهل حياتنا.. مش تقعد تقول لي «اللهم ارحمنا» وبس.. ما هي الرحمة دي ذاتها ربنا بجيبها ليك بالرياح وبالمرتفعات والمنخفضات الجوية وبالتحكم في درجات الحرارة والرطوبة والضغط الجوي، وبالهرمونات.. تعرف الهرمونات يا فكي أبكر؟! تعرف حاجة عن الغدد الصماء ولا عن الطريقة البتهضم بيها «الكسرة»؟! سيبك من ده كله.. تعرف كيف تدعو على أمريكا؟! طبعاً حتقول لي «اللهم اهزم الامريكان والصهاينة واجعل كيدهم في نحرهم»؟! مش؟! طيب إيه رأيك ده دعاء غلط وعشوائي!! أفرض إنو في فريق كورة أمريكي جاء ولعب مع المريخ هنا، وانهزم!! مش حتكون أمريكا «انهزمت» والدعاء طرشق!! خليك علمي يا حاج.. قول: «اللهم يسر لنا تخصيب اليورانيوم، وأمدنا بالنظائر المشعّة وأكرمنا بالماء الثقيل بالمناسبة يا حاج الأمين، الماء الثقيل ده أتقل من الآبري وبي كده تكون طلبت من ربنا الحاجة البتخوِّف أمريكا!! ٭ حاج الأمين، بشكل مباغت قال، مخاطباً فكي أبكر: أبكر يا أخوي الولد ده باقي لى كلامو نجيض وعلمي!! ٭ ثم وجَّه كلامه إلى عماد: دحين دعوة عمك أبكر «اللهم ولي من يصلح» برضها غلط؟! = طبعاً.. افرض «من يصلح» ده جاء للحكم بطريقة غير ديمقراطية، مش حتكون مصيبة؟ ٭ فكي أبكر قام، وحمل نعليه وعصاه مزمجراً وموجهاً الخطاب إلى حاج الأمين: تاني ما بفطر معاكم، ولا بصلي بيكم!! شوفوا ليكم أفندي زنديق زي ده يعلمكم الدين!! بدَع والله.. بِدَع؟!!