وخبير بالمسألة الجنوبية والبحيرات يبعث إلينا سلسلة ممتازة من المقالات نقرأها معاً اسحق أحمد فضل الله الجنرال كازيني أوردنا من قبل شيئاً مقتضباً عن الجنرال جيمس كازيني، ونود هنا أن نقف على بعض من جوانب حياته المثيرة وشخصيته التي تمتاز بالجرأة والإقدام والتورط في نهب ثروات الكنغو وعمليات الاتجار بالعقارات والتحالفات مع رأسماليين مشبوهين، والتورط في الأسماء الوهمية بكشوفات مرتبات الجنود. وقد مَثَل عدة مرات أمام محاكم آخرها في أبريل 2009م، أي قبل مقتله الغامض في نوفمبر من نفس العام على يد عشيقته المتهمة ليديا درارو، وسنأتي على تفصيل ذلك لاحقاً. ولد جيمس كازيني في مقاطعة كاسيسي غرب يوغندا، وهو من التوتسي، ويمت بصلة قرابة إلى الرئيس موسفيني. ولم يحصل كازيني على تعليم نظامي، بيد أنه انضم إلى عدة حركات متمردة، وانتهى به المطاف إلى الانضمام جندياً في قوات الجيش الوطني للمقاومة الذي يقوده قريبه موسفيني، وترقى إلى أن أصبح قائداً عاماً للجيش اليوغندي، وذلك بفضل جرأته وقرابته للرئيس. فهو الذي قاد الجيش الذي احتل كمبالا في عام 1986م كما أسلفنا. وبرز نجمه عندما عُين قائداً للمدرعات بالجيش اليوغندي. ثم أرسله موسفيني لإخماد ثورة غرب النيل المعروفة بجبهة إنقاذ غرب النيل بقيادة علي بموزي. واشتهر كازيني باستخدام القوة المفرطة ضد خصومه، وعدم التورع في إلحاق الأذى بهم بأية وسيلة. وهو ما فعله مع جماعة الدعوة الإسلامية في التسعينيات عندما قام بقمعهم وبدموية غير مسبوقة، وأدخل الرعب في قلوب عامة المسلمين بأساليب الترهيب، وزرع الجواسيس بينهم. وعندما تمت ترقيته في عام 1996م إلى رتبة العقيد أصبح قائد الفرقة الرابعة بالإنابة، وتلك الفرقة تتمركز في قولو حاضرة الأشولي الذين ينحدر منهم جوزيف كوني قائد جيش الرب للمقاومة، وعمل كازيني على إزاحة قائده ونجح في ذلك، فأصبح قائد الفرقة الرابعة الآمر الناهي. وعندما ترقى إلى رتبة العميد قاد عملية »الملاذ الآمن« في شرق الكنغو الديمقراطية. وفي تلك الفترة كانت له صلات بالاتجار في المعادن المنهوبة والأسماء الوهمية في الجيش اليوغندي، كما أنه دخل في معارك على الغنائم مع بعض قادة حلفائه الروانديين. وبدأت أشياء كثيرة تطفو إلى السطح حول فساد كازيني ونشاطه غير القانوني، واتهمته الأممالمتحدة صراحةً باستغلال موارد الكنغو. وحدا ذلك بموسفيني إلى استدعائه وجعله يمثل أمام لجنة تحقيق رسمية. ولم يحترمها كازيني ولم يأبه في مرات كثيرة بالمثول أمامها في المواعيد المطلوبة. ورد على الاتهامات بأنه أعطى امتيازات وتسهيلات لجهات مشبوهة لاستغلال معادن الكنغو، رد على ذلك بالقول إنه كان »مرناً«. واتهمه القضاة بالكذب، بيد أنه خرج من تلك المحاكمة مثل الشعرة من العجين. وأُرسل إلى نيجيريا لتلقي المزيد من العلوم العسكرية. وفي عملية »القبضة الحديدية« التي قادها كازيني ضد جيش الرب بين عامي 2002 2004م، تم اختلاس مبالغ كبيرة من خزينة الدولة بدعوى أنها ذهبت لدعم الجهد الحربي للقبض على جوزيف كوني، فقد أرسل موسفيني مبالغ كبيرة إلى قريبه كازيني، وذهب جل تلك الأموال إلى جيوب الجنرالات الذين أثروا ثراءً فاحشاً. ومن المفارقة أن الحكومة السودانية سمحت لهم بملاحقة جيش الرب داخل الأراضي السودانية، وقضوا معظم الوقت في قطع خشب التيك واستولوا على ثروات غابية كبيرة من جنوب السودان، مما زاد أطماعهم في ثروات الإقليم. واستمرت قضية أسماء الجنود الوهمية حتى مقتل كازيني في أوائل نوفمبر من العام الماضي 2009م، ولكن الرجل استثمر ما جناه من مال في مجال العقارات ورعاية نادي كرة قدم واحد على الأقل، والدخول في مجال البناء، وثمة شركة بناء كبيرة تملك فرعاً في جوبا يقال إنه يتقاسم ملكيتها مع متنفذين في حكومة جنوب السودان. وقد أشارت تحقيقات مقتله بأصابع الاتهام إلى جنوب السودان، ولكن لم تتم تسمية أي شخص، بيد أن العربة التي كان يستقلها حينما استدعته عشيقته ليديا درارو قاتلته المزعومة، صبيحة يوم مقتله، كانت تحمل لوحة عليها NS (ان أس) New Sudan أي وهي »السودان الجديد« كانت تتبع لمكتب اتصال جنوب السودان في كمبالا، كما أوردت الصحف اليوغندية يومئذٍ.