على خلفية التحقيق مع مدير وكالة السودان للأنباء عوض جادين وإيقافه عن العمل بقرار من وزير الإعلام عبد الله مسار، وتدخُل رئاسة الجمهورية وصدور قرار رئاسي، بوقف التحقيق مع جادين وإرجاعه للعمل، تقدّم وزير الإعلام باستقالته محتجاً على الطريقة التي تمت بها معالجة هذه القضية التي شغلت الرأي العام مؤخراً، خاصة أن أسباب إيقاف مدير«سونا» والتحقيق معه، لها ما يبررها، بدليل ما نشر في الأيام الفائتة من معلومات ووثائق تقتضي التحقيق حتى تتبين براءة جادين من أي تهمة أو إثبات علاقته بموضوع التحقيق ...! واستقالة مسار تهزُّ صورة الحكومة في هذا التوقيت وبهذه الخلفية خاصة مع وجود أحاديث وخلافات بينه وبين وزيرة الدولة بالإعلام سناء حمد حبلت بها الصحف خلال الأيام الفائتة، تقدح في الطريقة التي تعاملت فيها رئاسة الجمهورية مع هذه القضية، التي كانت تتعلق بصلاحيات الوزير وسلطاته وكيفية إدارته للهيئات التابعة لوزارته، وكان بالإمكان معالجة المعضلة بطريقة مختلفة من رئاسة الجمهورية دون أن تؤدي لهذا التطور المؤسف ومغادرة الوزير لمنصبه في هذا الظرف الدقيق في قضية لا تستحق كل هذه الضجة لو تركت قي سياقها الطبيعي داخل الوزارة وفي إطار التحقيق الذي كان يمكن فيه معرفة الحقيقة: هل عوض جادين مخطئ أم مصيب في القضية التي تم فيها إحالة موضوعها للتحقيق؟... لقد أخذت هذه القضية منحىً ومنعطفاً غير محمود على الإطلاق وأعادت للأذهان الخلاف بين وزير الإرشاد والأوقاف السابق أزهري التجاني الذي أخرج من الوزارة لخلاف بينه وبين مدير إحدى الهيئات التابعة لوزارته، وأخطر ما في هاتين الحالتين أن مديري الهيئات التابعة للوزارات عند استقوائهم برئاسة الجمهورية ومن دون الرجوع لأصل الموضوع والاستماع للوزير نفسه، يصبحون في موقف أقوى من الوزير بما يطعن في المنصب الدستوري للوزير وصلاحياته وسلطاته ويقلل من احترامه ما دام الموظفون التابعون له قادرين على الانتصار عليه وظهورهم مسنودة إلى رئاسة الجمهورية ..!! هذه القضية وتداعياتها ما كان ينبغي أن تسير في هذا المسار الغريب، فلو تركت الأمور تسير على قضبان التحقيق الإداري وفق قوانين وأحكام الضبط الوظيفي لكسبت الدولة مهما كانت النتيجة، وليس من الحكمة أن تتدخل رئاسة الجمهورية في صلاحيات الوزراء دون النظر في أحقية الوزير في ممارسة سلطاته أو التنسيق معه في إصدار أي قرار على شاكلة ما جاء في قرار وقف التحقيق مع جادين وإنهاء إيقافه عن العمل، مع العلم أن القضية فيها عمل تجاري وشبهة فساد، ويمكن لمن يريد التفسير والتأويل الخاطئ أن يذهب في اتجاه أن تدخلاً حدث للتغطية على موضوع فساد والحيلولة دون ظهور الحقيقة.! بخروج مسار في حال قبول استقالته فقدت الحكومة حليفاً ومقاتلاً شرساً، بغض النظر من أي خلافات حدثت أو سوء تفاهم، ويحسب للرجل أنه أعلن التزامه بالخط العام في قضايا الوطن، لكن ما حدث رسالة سيئة لغيره من الوزراء الذين لن يجدوا أنفسهم يمارسون أي صلاحيات وسلطات مخولة لهم وسيف الخلاف مع المديرين العامين في الهيئات والجهات التابعة لهم مسلط عليهم، وسياطهم تلهب ظهورهم، فأي وزير سيعمل لينفذ برنامج وزارته وسياساته إذا كان الوزير بلا قرار ولا رأي ولا سلطة؟ من مصلحة سيادة حكم القانون وتنقية الخدمة العامة من الشوائب ومنع التدخلات السياسية والاعتبارات الأخرى أن تنأى رئاسة الجمهورية عن أي تدخل إلا إذا كان في إطار المصلحة العامة والعليا فقط، غير هذا فإن أي تدخل يعيق إصحاح البيئة العامة في الخدمة المدنية ويشكل سوابق لن تحتملها الحكومة عندما تتكدّس أمامها بعد حين خلافات المراسلات والسعاة والفراشين وصغار الموظفين مع الوزراء ووزراء الدولة وتحتار في معالجة أرتال الشكاوى والخلافات.!