والحرب أولها كلام.. ولعل دولة جنوب السودان هي من بادر بحرب التصريحات عندما أعلن رئيسها سلفا كير ميارديت بنهاية مارس الماضي أنهم استعادوا هجليج التي تتبع لدولته حسب تعبيره بالقوة، لتمضي وتيرة الأحداث بهزيمة الجيش الشعبي الذي عاود الكرة في هجليج للمرة الثالثة عندما استولت عليها قواته لتجئ القوات المسلحة ل «تكسح وتمسح» الجيش الشعبي وتدحره من هجليج. تصاعد وتيرة الأحداث أفضى بالبرلمان لإعلان دولة الجنوب العدو الأول للبلاد، ومن ثم الدعوة لتحطيمها وإنهاء وجودها، كما طالب بإنشاء قوة احتياطية لمساندة القوات المسلحة، معلناً رفضه لأي حوار معها بخلاف الشأن العسكري، مشترطاً خمسة بنود لهذا الحوار، وهو ذات الرأي الذي ذهب إليه رئيس الجمهورية لدى لقائه بوزير الخارجية المصري في زيارته للبلاد في الآونة الأخيرة برفضه للحوار إلا بعد تحرير هجليج، وقد كان إلا أن الحكومة ما تزال ترى ضرورة التزام الجنوب رغم اتفاقها معه على وقف العدائيات والنظر بعين الاعتبار لخارطة طريق مجلس الأمن. يبدو أن الجنوب باستهدافه الأخير لهجليج استنفد صبر حكومة الخرطوم فانهال سيل التصريحات التي توعدته وفي مقدمتها حديث نائب الرئيس الحاج آدم يوسف لدى لقائه بالصحفيين في منزله الذي جاء فيه السقف الذي ينتهون عنده هو إزالة الحركة من الوجو، مضيفاً أن الحركة لن تستغفلهم بالمفاوضات بعد الآن، في إشارة لاتفاق وقف العدائيات الذي وقعه الطرفان في فبراير الماضي، ومن الواضح أن الحركة نفسها تسعى لإزاحة الحكومة، إذ تذهب الخرطوم إلى أن ضرب هجليج كان في سياق المضي في السيطرة على جنوب كردفان والانطلاق منها صوب الخرطوم، ويعزز من هذا المخطط المضبوطات التي وجدت في منزل نائب رئيس الجنوب رياك مشار بالخرطوم، حيث عثر على وثائق تحتوي على مخطط لعمليات تخريبية واسعة بالعاصمة تهدف لإطاحة نظام الحكم عبر القوة العسكرية في مايو الحالي. ثم تأكدت الرغبة الحقيقية في رغبة الحكومة في إطاحة الحركة من خلال تصريحات الرئيس البشير التي تلت تحرير هجليج حتى أنه وصفها بالحشرة الشعبية ولفت الانتباه إلى ضرورة التمييز بين الحركة والمواطن الجنوبي وحتى قطاعات من الشارع الجنوبي تولدت لديها الرغبة في إطاحة الحركة على رأسهم ثوار الجنوب. الحكومة توعدت الحركة عندما قال مساعد الرئيس نافع علي نافع عقب انعقاد مكتب حزبه القيادي بالأربعاء قبل الماضي إن حكومة الجنوب لم تعِ الكوارث التي سيجرها عليها اعتداؤها على هجليج. وتكررت اعتداءات دولة الجنوب على مناطق أخرى مثل تلودي وكفن دبيبجنوب دارفور، فضلاً عن دعمها لجبهة التحالف الثوري في حربها ضد البلاد في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والتصريحات الحكومية الأخيرة هل يشتعل فتيل الحرب التي خمد أوارها ستة أعوام؟ وبدوره لم يستبعد نافع أن يتقدم الجيش في ردعه للغزاة لأبعد من هجليج وهو شيء وارد بحسب الرؤية العسكرية كما قال في نفرة لواء الردع الذي نظمته الخرطوم، والذي يجيء في إطار نفرة جهادية كبيرة انتظمت جميع الولايات، على نحو يعيد ذكرى الليالي الجهادية وأعراس الشهيد التي كانت تقام في تسعينيات القرن الماضي. والدولة العدو هي التي توضع لها إستراتيجية وطنية أو قومية للتعامل معها وفقا للفريق د. عبد الباقي محمد كرار، بحيث يكون التعامل معها من زاويتين: الأولى إستراتيجية مباشرة، ويفيد ذلك أن تقديم القوة العسكرية على ماسواها من القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بحيث تكون الأخيرة داعمة للأولى، والثانية إستراتيجية غير مباشرة تتقدم فيها القوة الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على القوة العسكرية، ويضيف عبد الباقي في حديثه ل«الإنتباهة»: يجب على الدولة أن تدرس أولاً مدى مقدرتها على مجابهة قوة دولة الجنوب والدول التي تساندها قبل أن تتجه لخيارة القوة العسكرية المباشرة، ومما يذكر أن رئيس كتلة المؤتمر الوطني بالبرلمان غازي صلاح الدين أبدى استغرابه من عدم توطيد العلاقات مع الأحزاب الجنوبية، وربما كان يشير لنظرية الردع التي تحدث عنها سابقاً بأن دعم الجنوب للحركات المتمردة ضد الحكومة سيقابل بدعم المليشيات المتمردة على الجنوب. ولكن في ظل سعي المجتمع الدولي لتهدئة الأوضاع بين البلدين لمصلحة الجنوب بحسب مراقبين: هل ما تزال رغبة الحكومة قائمة في«كسح ومسح» الحركة الشعبية؟