أربع سفارات في الخرطوموجوبا وتل أبيب هي الجنوبية في الخرطوم، والسودانية في جوبا، والإسرائيلية والجنوبية في جوبا وتل أبيب، هذه السفارات تشغلها هذه الأيام قضايا الرّعايا، باستثناء سفارة إسرائيل في جوبا التي تشغلها عملية استدعاء المؤامرة المغطاة بثوب العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، والمقصود هنا طبعاً إفريقيا الزنجية؛ لأن إفريقيا الشمالية البيضاء المطلة على البحر الأبيض المتوسط يبقى لتطبيع إسرائيل معها نكهة مختلفة. فسفارة السودان بجوبا وسط المناخ العدواني بين الدولتين تطالب سلطات الحركة الشعبية الحاكمة هناك بمزيد من الوقت لتتمكَّن من تسهيل ترحيل السودانيين الموجودين بدولة جنوب السودان وتسوية أوضاع الراغبين في البقاء هناك بعد أن أصبحوا أجانب، وهم أصلاً من ناحية عملية «أجانب» وقبل انفصال الجنوب كان «الشماليون» لا يشعرون هناك بالمواطنة التي كان يتمتّع بها اليوغنديون والكينيون وهم أجانب بالفعل.. ويأتي انفصال الجنوب لينقل الشماليين هناك من «مواطنة الدرجة الثانية» إلى «مواطنة الدرجة الثالثة».. أما مواطنو دولة الجنوب في السودان فإنهم ينتظرون هطول الحريات الأربع، وهم يسيرون وراء سرابها؛ لأنهم يفهمون تماماً أن سفارتهم ستسوقهم إلى جحيم الحركة الشعبية، لكن الحركة الشعبية جنت عليهم حينما نسفت أي مناخ يلائم هذه الحريات ليبقى العشم في حركة تغيير جنوبية لاحقاً بيد الثوار.. أما الجنوبيون في إسرائيل فإن حالهم ليس أفضل من حال السودانيين في الجنوب.. فهم هناك يواجهون القنابل الحارقة التي يقذفها عليهم اليهود لإجبارهم على مغادرة الكيان العنصري الذي لا يقبل أن يعيش فيه أصحاب البشرة السوداء والسمراء، ولذلك فإن سفارة جوبا في تل أبيب سينتظرها عناء كبير حتى تصبح هناك سفارة بلا رعاية أو جالية، غير مجموعة قليلة من مرتزقة الحركة الشعبية أو عملائها الجدد أصحاب معسكرات التمرد «الأجنبية» في أرض دولة الجنوب، فهم إن كانوا غير جنوبيين لكن من الممكن أن تتوفر لهم فرصة رعاية السفارة الجنوبية هناك باعتبارها سفارة السودان الجديد وليس دولة الجنوب فحسب، وحتى الآن تتسمى الحركة الشعبية باسم «الحركة الشعبية لتحرير السودان».. أي أن سفارة جوبا في تل أبيب في خيال المتآمرين ستكون سفارة كل السودان من حلفا إلى نمولي، ولم تعلن الحركة الشعبية بعد الانفصال أنها تخلت عن عبارة «تحرير السودان» بل هي تمضي بالفعل بعد الانفصال إلى تطبيق شعار تحرير السودان بالتعاون مع القوى الأجنبية الدولية والإقليمية والقوى المحلية، بالتعاون مع واشنطن وتل أبيب وكمبالا والحلو وعقار ومناوي وعبد الواحد وحركة خليل.. لذلك لا علاقة بسفارة جوبا في تل أبيب بالرعايا الجنوبيين حتى ولو واجهوا إلقاء القنابل الحارقة عليهم من اليهود العنصريين أعداء البشرة السوداء.. الآن جوبا اعتمدت رسمياً سفير إسرائيل، ولسان حاله يقول: «اقتربنا من إلغاء لاءات الخرطوم الثلاث في السودان» حيث منطلقها عام «1967م» بعد أن ألغيناها بالتعاون مع السادات في مصر.. أي في وادي النيل بقي السودان بعد مصر وجنوب السودان.. واعتمدت جوبا أيضاً سوزان كيج ممثلة دبلوماسية لسفارة واشنطن في مناخ زيارة المفوضة العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة «نافي بيلاي» إلى جوبا التي صّرحت خلالها قائلة: «إن الغارات الجوية التي شنتها القوات السودانية على مناطق في جنوب السودان قد تعتبر جرائم دولية».. وطبعاً هي تصريحات تحذيرية لحكومة جوبا حتى تنفذ ما عليها ولو على حساب شعب جنوب السودان الذي أصبح كبش فداء للمؤامرات والمصالح الغربية الصهيونية ومصالح قادة الحركة الشعبية الذاتية.. السفير الإسرائيلي حاييم كورني هو الآن سفير الكيان الصهيوني في جنوب السودان، وقبل الانفصال انفصال الجنوب كان الوجود الإسرائيلي في ثلاث دول تشترك في الحدود مع السودان، أما بعد الانفصال فإن الوجود أصبح في دولة واحدة هي جنوب السودان، إذن الوضع التآمري اليهودي أفضل إلى حد ما.. لكن لتكن دولة الجنوب دولة محترمة، وأول ما تقوم به بعد اعتماد سفير الكيان الصهيوني هو أن تستدعيه في مقر الحكومة وتناقشه في أمر القنابل الحارقة التي تُلقى على الرعايا الجنوبيين بإسرائيل.