العالم لا يقيم وزناً للضعيف، القوي هو وحده الذي تسمعه الدول الغربية وتعمل له ألف حساب، فدعوة مجلس الأمن الدولي التخويفية للحكومة بسحب القوات المسلحة من أبيي دون قيد أو شرط، اختبار حقيقي لموقف الحكومة المقر بتبعية أبيي للسودان رغم التنازع حولها، وأي إذعان لما يقوله مجلس الأمن الدولي هو تفريط واضح في هذه المنطقة التي لن يقبل أهلها وسكانها أن تكون معرضة للمساومة تحت دعاوى أن الوضع الراهن فيها يهدد الأمن والسلم الدوليين ...!!! العالم مشغول للغاية في قمة الثماني الكبار وحلف الناتو والبرنامج النووي الكوري والإيراني والمسألة السورية، وإنقاذ اليونان وحفظ ماء وجه الاتحاد الأوروبي الذي يواجه خطر انهيار اليورو، فدوله التي تقع جنوب أوروبا وشرقها، تقف على حافة السقوط والانهيار الاقتصادي الكامل، فكل ما يحدث من تلويحات وقرارات حول ما صنع الحداد بين السودان وجنوب السودان، لا أحد متفرغ لها الآن لحمل أوزارها، ووجدت سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالأمم المتحدة، الفرصة سانحة لتحريك ملفات العلاقة بين الخرطوم وجوبا تحت صليل سيف القرار السابق الذي حدد مهلة ثلاثة أشهر لحل القضايا الخلافية العالقة. التيارات المناوئة للسودان وناشطو المنظمات في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأشياعهم الأوروبيون، يستغلون الوضع الحالي لتسجيل نقاط لصالح حليفتهم الأثيرة، دولة جنوب السودان، ويمررون ما يريدونه... أوروبا مشغولة بسيقان اقتصادها المتهالكة وأنفاسها اللاهثة المتلاحقة.. فصباح أمس حتى الظهر منه، شققنا شوارع فراكنفورت في ألمانيا بصعوبة بالغة، ما يقارب العشرين ألف متظاهر من رافضي العولمة واجتماعات قمة الثماني بكامب ديفيد والسياسات المالية للاتحاد الأوروبي، ملأوا شوارع وساحات «ماينس تشرادا وكورت شوماخر سترادا» وجابوا وسط مدينة المال والأعمال والتجارة وعاصمة الاقتصاد الألماني في «سايل وبلايش تشترادا وتقاطع تاونس اند لاقا» وعطلوا البنوك التي أغلقت أبوابها، وحركة المرور، منذ الأربعاء الماضي وحتى نهار اليوم الأحد، كل شيء معلق بحركة الاحتجاجات التي تغطي الشوارع وتستمر الاعتصامات أمام البنك المركزي الأوروبي في فراكنفورت، فالخيام المنصوبة في بعض الساحات لا يهدأ ضجيج صيحها، وهتافاتهم تعبِّر عن رفض قاطع لسياسات الاتحاد الأوروبي وضد توجه انجيلا ميركيل لفرض ضرائب جديدة ويتهمون الحكومة الألمانية بمحاباة رجال المال والأعمال ويطالبون بفرض ضرائب إضافية عليهم حتى تتحقق المساواة بين كل الفئات في المجتمع ويهتفون: الرفاهية للكل. ومثل هذه الاحتجاجات تحدث في عدد من المدن والعواصم الأوروبية، وسبقتها تظاهرات نيويورك منذ فترة والتي تنظمها حركة «احتلوا وول ستريت» وكذلك في لندن حركة «احتلوا البورصة»، ولا حديث هنا في كل بلدان الاتحاد الأوروبي، غير انتشال اليونان وإنقاذ اليورو قبل أن ينهار وتنهار معه تجربة وحدة العملة الأوروبية الموحدة وما سيعقب ذلك من انهيارات لاقتصاديات هذه البلدان... ولا تستطيع الولاياتالمتحدةالأمريكية تقديم أدنى عون لحلفائها الأوروبيين ولا إنقاذ اليونان بالكامل من وهدته والهاوية العميقة التي سقط فيها ..! في ظل هذه الظروف، العالم في انشغالاته يتيح المجال للعبث السياسي للناشطين الذين لا يقدرون مصالح الحكومات، بقدر ما يندفعون تجاه القضايا التي يخدمونها بغض النظر عن درجة ومستوى تأييد حكوماتهم لما يقومون به. علينا أن نواجه تحركات هذه المجموعات في مجلس الأمن الدولي بحزم واتخاذ القرار والموقف الصائب في الوقت المناسب، وإفشال هذه المخططات التي لن تقف عند أبيي، فهذه اللعبة مكشوفة وتتعاون دول إقليمية مع هذه المجموعات وتقوم جهات دولية عديدة في تسويق مواقف حكومة دولة الجنوب وإظهارها بمظهر المتعقِّل المتجاوب، بينما تصنّف الخرطوم بالتعنُّت والتلاعب وتهديد الأمن والسلم الدوليين. هذا التخويف العلني له حدوده المعروفة، نحن لا نقلل من خطورته، لكن في اللعبة الدولية يجب أن لا ترتجف، عليك أن تكون صلباً وتتعامل بحزم وشجاعة وقوة منطق وسند فمائدة اللئام لا بد فيها من حمل العصا واصطحاب الكلاب! .!