زمان مثل هذا مشاهِد من اليونان (1) الصادق المهدي الشريف في الإسبوع قبل الفائت خرجت مظاهرات في اليونان تنددُ بإتجاه الحكومة لتقليص ميزانية البحث العلمي كأحد الحلول المقترحة لمواجهة الازمة الإقتصادية التي تواجهها وريثة الإمبراطورية الرومانية. ومن المعتاد أنّ بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في دول العالم الثالث – ومن بينها السودان – تُقلِّدُ المجتمعات الأوربية في أنماط حياتها، ولكن قبل أن ندلف الى مناقشة هذا الأمر الطريف، نوَّدُّ لو تطرقنا الى أزمة اليونان التي تشابه مشكلتنا الإقتصادية المزمنة، رغم أنّ ما يحدث لأثينا هو أمر مستجد. الأوربيون اعتبروا أنّ الأزمة التي تضرب اليونان هي أكبر مشكلة تواجه منطقة اليورو ( منطقة الإتحاد الأوربي )... لأنّ المشكلة ذات جذور عميقة، تنجم عن اربعة عوامل. أولاً : تواجه اليونان عجز كبير في موازنتها العامة، لسببين أساسيين هما الفساد والتهرب الضريب... فاليونانيين (مستهبلين) أكثر من غيرهم من الشعوب، لا يدفعون الضرائب، ولا يُقدمون وثائق حقيقية لموظفي الضرائب، كما أنّ موظفي الضرائب أنفسهم يعيشون على مقدراتهم على الفساد. ثانياً: تعاني أيضاً من مشكلة إنفاق حكومي كبير ومتزايد، فهي ذات إقتصاد ضعيف ولكنّها (تتشابي) ليعيش مواطنها بذات النمط الذي يعيشه مواطنو الإتحاد الأوربي الآخرين مثل الإسكندنافيين والإنجليز والألمان. ثالثاً: تواجه كذلك مشكلة ديون خارجية ضخمة، وتعجز عن دفع ديونها السيادية، وهو الأمر الذي تستغيثُ من أجله بالإتحاد الأوربي. رابعاً : تواجه مشكلة ضعف منتجاتها وعدم مقدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية، رغم تدثرها خلف عباءة الإتحاد الأوربي (هل سمعتم بعربة مصنوعة في اليونان؟؟؟ أو أجهزة إلكترونية؟؟). هذه المشكلات الاربعة هي التي خلقت أزمة الإقتصاد اليوناني، وبالتالي فإنّ حل تلك المعضلة لن يكون كاملاً إلا إذا تمّ حل المشكلات الاربعة جميعاً. مبلغ ال (74 مليار دولار) التي تحتاجها أثينا بصورة عاجلة لتسديد ديونها الخارجية هو أمرٌ مُتاحٌ لها من المنظمات الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين. ولكن... الإتحاد الأوربي (مُركِّب ماكنة جعليين) وقال أنّه لا يريد لصندوق النقد الدولي الدخول في منطقة اليورو، حتى لا يظهر أمام العالم بصورة الإتحاد العاجز. (طيب يا خواجات... ما تحلوا المشكلة وتدوها القروش؟؟؟). قالوا أنّ تقديم ايِّ نوع من المساعدات لليونان وفق الوضع الإقتصادي الحالي لن يجدي نفعاً، لأنّ المشكلة مُركبة، وتحتاجُ للعمل في أكثر من مسار. هم يمكن أن يحلوا مشكلة الديون السيادية لو إلتزمت اليونان بنظام ضريبي معافًى من الفساد، ذا ربط شهري معلوم، ولو إلتزمت كذلك بتخفيض نفقاتها، ومشكلة المنتجات هذه قالوا أنّهم سينظرون في وسيلة لحلها. جاء مقترح من الإتحاد لحل مشكلة ضعف الصادرات اليونانية وعدم مقدرتها على المنافسة في الأسواق العاليمة. المقترح هو وضع عبارة (صُنع في أوربا) في كل المنتجات التي تصدرها دول الإتحاد الأوربي، كعلامة تجارية ذات قوة ومصداقية وجودة... بدلاً عن وضع اسم الدولة. وبهذا المقترح تستطيع اليونان أن تُدخل بضائعها وتبيعها في (الزفة الأوربية) مع إشتراطات على أثينا بإلتزام الجودة... لكن. حلف الإنجليز (بالطلاق) أنّ هذا غير ممكن، وأنّ عبارة (صُنع في المملكة المتحدة) هي ما تبقى لهم من إرث الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس... وأقسم الألمان بكل جدودهم بأنّ سمعتهم الصناعية لن تكون محلاً للمجاملة... وكذلك الفرنسيين... حتى الدنماركيين قالوا أنّهم لن يفرطوا في سمعة ألبانهم وأجبانهم. (أها... كُنّا بنقول في شنو؟؟؟) . نعم... كُنا نتحدث عن تقليص ميزانية البحث العلمي في اليونان... وتقليد جماعتنا للأوربيين، ولكن نُكملُ الغدِّ بإذن الله. التيار