السؤال أعلاه، وجهه لي أحد الصحفيين، معبراً عن الذي يدور في الأوساط الشعبية العامة، استصحاباً لما عُرف عن الشعب السوداني من مللٍ تجاه الأنظمة حال امتداد الزمن بها على سدة السلطة، والإجابة عن هذا السؤال تبرع بها مواطنو محافظة من المحافظات قبل أن تسمى محليات، عندما طالبوا بإقالة المحافظ وتغييره، لا لسبب ضعف أدائه أو أنه لم ينجز إنجازاً معتبراً، ولكن كانت الحجة التي ساقوها أنه «طوَّل». وفي بلدان الخليج إذا أراد أن يدعو لك أحد، بدعوة صادقة معبراً عن رضائه عنك، فإنه يقول لك أطال الله من عمرك، وتلك دعوة يتفضل بها دائماً الشيوخ الذين يتمتعون بمكانة في المجتمع، وهي من الدعوات المحبَّذة من قبل السلاطين، بحسبان أن طول العمر، ليس مربوطاً بالرهق والعنت، لكنه وثيق الصلة بالرفاهية والدعة، والأوفق أن يطول العمر في طاعة الله ليبارك لصاحبه الحياة رزقاً ورصيداً زاخراً بالحسنات يوم يقوم الحساب. وبالعودة إلى طول الأمد في سدة السلطة، وما ينتج عن ذلك من «طفش وزهج» للرعية، فإن مثل هذه المشاعر لا تنم عن تطورٍ لكنها تعبر عن التخلف، خاصة إذا كان البناء لم يتوقف، ومن تمت توليته يحظى بالقبول ويجد من الرعية الإخلاص، ولا يوفر جهداً في سبيل راحة مواطنيه وحسن رعاية يحيطهم بها دون من ٍ أو أذىٍ، بعيداً عن الظلم والشنآن وكذلك نبذاً للطغيان والاستبداد. والكثير من النَّاس يتبرمون عندما تستديم عليهم النعم، فلا تجد لهم متعه بأموال اكتسبوها، ولا بعقار مزودٍ بأفخم الأثاث، وتلك من سيماء الشقاء لجماعاتٍ كان المال عنصراً لبؤسها والترف قنطرة إلى محطة لا يسود في أرجائها سوى التفسخ والتحلل والزيغ والضلال. ولقد شاهدت صوراً كثيرة، لأفراد، أورثهم الله نعمة من أجداد الجدود، لم تفتقر إلى عدم الديمومة، لكنها دامت، دون أن تصحبها سعادة. فهناك من توفرت لديه الأموال، لكنه يركب حماراً، ولا يشتري عربة. وهناك من كان باستطاعته التمتع بأطيب الطعام وشهي الموائد، لكنه برغم ثروته فهو بحكم الثقافة والتخلف لا يأكل إلا في آنية قديمة ولم يسمع في حياته بشوكة أو ملعقة أو سكين. ولقد حكم المؤتمر الوطني لفترة طويلة، وكانت فترة حكمه مميزة بخدماتها وإنجازاتها حسب اتجاهات الرأي العام بالمقارنة مع ما سبق، غير أن عامل الثقافة، وطبيعة البشر، وعوامل أخرى تفرض أن يكون بين الذين يحكمهم من يتمنى زوال حكمه، حتى وإن كان البديل حفرة من حفر النيران.