قد لا يرضى النَّاس جميعاً بمختلف أنواع الحلول والمعالجات؛ لأن ذلك من طبع الإنسان، اختلاف في الرأي واختلاف في المزاج، واختلاف في المرجعيات، وتنوع في المعايير والمقاييس، وإن لم يكن هذا أمراً يصبغ الحياة منذ نشأتها، لما ظهرت الخلافات، وتفاقمت النزاعات واشتعلت الحروب. وعلى الرغم من سريان تلك القواعد وفقاً لطبيعة ومجريات أحداث التاريخ الإنساني، فليس باستطاعتنا القول إن الأصل في الحياة هو الصراع، بل قد يكون الصراع أحد وسائل الحسم بعد أن تصل الأحوال إلى ذروتها، إذ إن كلَّ شيء إذا ما تم ينقلب. ولو افترضنا أن بني الإنسان من الواجب عليهم أن يتفقوا على رأي واحد، لكان هذا الافتراض صحيحاً بحق علماء المذاهب الإسلامية في شأن جميع القضايا، ولكن الواقع التاريخي، والقراءة الفكرية لما كان عليه الفقهاء، وأئمة المذاهب المشهورة، يثبت أن تنوع الرأي في مسائل كثيرة منها الفروع وفيها الأصول قد كانت موضوعاً لحوارات وتباينات في الرأي والحكم. وبما أن عين ابن آدم لا يملؤها إلا التراب، لكننا مأمورون بالاجتهاد لإيجاد معايير ومرجعيات تجد القبول من العامة في حدٍ أعلى، خاصة ونحن نعيش تعقيدات أقرب إلى أن تدخلنا في متاهات للصراع والنزاع قد يطول مداها، بحسب الاشتباكات في المصالح وتناقضات الرؤى باختلاف المرجعيات. وفي سبيل تحجيم وتقليص مساحات الأسباب المؤدية إلى تمرد بعضنا بإعلاء اتجاهات النقد العنيف، والخروج به إلى ساحات العلن دون منطق مقبول، فإن الحقوق والواجبات في شأن الوظائف العامة والمسئوليات المتصلة برعاية أمر الأمة، تحتاج منا إلى إعادة نظر، لذلك أرى ضرورة الاهتمام بما يلي من اقتراحات من أجل إجراء المعالجات اللازمة للخلافات التي قد تنشأ مسببة التبرم والضيق إيذاناً بما يسميه بعضنا الثورات. أولاً: الوظيفة العامة: لا أرى مشاحة في طرح أي وظيفة عامة تنفيذية كانت أو استشارية للمنافسة العامة دون أن يكون الترشيح لمثل هذه المواقع بناء على رأي فرد أو توصية مجموعة، ولكن ينبغي أن يكون الاختيار بموجب الكفاءة، واجتياز الاختبارات اللازمة بانطباق الشروط المؤكدة لأهلية الذي يُختار، وبهذا نخرج من عنق الزجاجة، والاتهامات المضادة بحيث لا يتضرر شخص صاحب كفاءة، أو من له صلة قرابة بمتخذ من متخذي القرار، فلا يحرم من منصب هو له أهل بحجة قرابته أو غير ذلك من العناصر التي يطغى عليها الظلم والشنآن، وبهذا يسد الباب الذي به تأتي الرياح. ثانياًً: الوزارة وبحكم أننا قد اعتمدنا المنافسات الحزبية لتحمل مسئوليات البلاد وسياساتها، وحيث إن الوزير يمكن أن يأتي من الحزب الذي يكتسح الانتخابات، أو من الأحزاب المؤتلفة، أو المشاركة، فإن العيب كل العيب، بالرغم من أن وظيفة الوزير سياسية، أن تُسند لمن ليس له أهلية وخبرة لملء مكانتها، فالوزير هو الذي يشرف على الوزارة، ويسير شئونها ويقدم التقارير الدورية بالأداء فيها. والدول المعاصرة لا تلجأ إلى ترضيات وموازنات تخل بقاعدة الخبرة والدراية فيذهب المنصب لغير أهله، وتوسد المسئولية لمن لا يدري أقل قدرٍ من شئونها. وعلى حسب المعلومات المتوفرة فإن الأحزاب ثرية في مواعينها التنظيمية بالنفائس ولا ينبغي التضحية بالوطن لتقديم النطيحة والمتردية ومن تتأفف حتى السباع من أكلها. والقضايا التي تهم الوطن وتتصل بالصغير والكبير والمرأة والرجل وتتجاوز هؤلاء لتقرير مستقبل الأجيال، ينبغي ألا تحصر في زاوية ضيقة، بل تتاح للرأي العام، وأهل الخبرة والتخصص لتقتل بحثاً قبل أن يتخذ فيها القرار. وهذه هي الشفافية في حدها الأدنى ليلقم المتخرصون حجراً في حلوقهم فلا ينبسون ببنت شفة ليعبروا عما يجيش في صدورهم من مؤامرات وأحقاد.