كما أسلفت في الحلقة السابقة فإن ثلة من رفقائي الذي عاصروني في كلية العلوم البيطرية جامعة نيالا، ومنتداها الأدبي ومنتدى أدباء ولاية جنوب دارفور يغازلون بريدي الإلكتروني من حين إلى آخر يطالبونني بنشر تلكم القصائد التي كنت ألقيها في احتفالات الجامعة ومنتدياتها الأدبية.. ونسبة للإلحاح المستمر من الزملاء أحاول هنا تلبية بعض طلباتهم وهذه القصيدة الحلمنتيشية بعنوان: «الشستسوما» والتي كانت قد وجدت صدى واسعاً في أيامها آنذاك وللقصيدة قصة طريفة، فلقد كانت لنا زميلة بالمستوى الثالث بيطرة نحيلة الجسم فارعة القوام.. تكسوها عباءة في الشر واللؤم، تتشاجر مع أي طالب أو طالبة يحدث بينها وبينهم نقاش وكانت لزميلتنا مجموعة تسكن معها في الداخلية أطلقن على مجموعتهن «شباب طوكيو».. فسعى بعض الزملاء لوقع الخصومة بيني وبينها حتى أقطع لسانها الموس.. فوشوا لها عبر زميلاتها بأن «أبو حريرة» سماك «الشستسوما» وهي «دودة البلهارسيا» فوجدتني وسألتني، لكني أنكرت ذلك بشدة واعتذرت لها، لكنها أصرَّت على أني مذنب وعندما ضاق صبري بالاتهام وفي احتفال استقبال الطلاب الجدد بكلية الاقتصاد والدراسات التجارية بجامعة نيالا قمت بإلقاء قصيدة «رمزية» من وحي ذلك الحدث قلت فيها: يا إنتي لا تردي شاعراً جرى في طريقك حتى فتر شاعر هام بحبك واصطفاك من دون الحشر لأنك ماكي «الفشيولا» «1» بتشبهي صفق الشجر وماك القراد أم دنار الجننت أهل البقر وماكي الذباب المنزلي العامل وداعة في الحشر ما إنتي متعددة المضايف أشكالك كم شستسوما بوفس «2» حارقة حشاشات البقر شستسوما مانسوناي عاملة فينا كم أثر شستسوما جابونكم في شباب طوكيو هناك عاملة نخر غلطان أبكر «3» إنت ما شبه البقر إنت ملهمة الفن والكتاب وقراض الشعر بهواك إنت الشستسوما يا رائعة زي وجه القمر بهواك سر مناعي ما عرفو يوم أدور خبر «4» بهوك أمينو فلوبيلين معدوم تماماً في البقر ريدك اتملك فؤادي وفي كل أعضائي نخر فالمستحيل أعيش بدونك بقيتي لي زي القدر بلقاك في الشرق الحبيب حاضنة مشاعر قاش خطر بلقاك هناك في عطبرة جالسة على أجمل نهر وبلقاك في موسية هناك نايمة على خد ماء كدر ومرات بحسك يا حنينة إنك معاي جوه الحجر أتمنى بس يا شستسوما نعقد سوا ونمشي شهر العسل سطح القمر لا يلقانا قوقع وسيط ولا «برازتيل» الضجر «5» وكل ما نجيب استردست يفرح معاك ويكرمك زي كما جامعة نيالا كرمت بروف «حجر» ولعل هذه القصيدة «الحلمنتيشية» العلمية المتسوحاة من«الشستسوما» «دودة البلهارسيا» قد ذهبت بعيداً وعاشت في تفاصيل وواقع تلك الدودة التي شبهت بها البنت الشريرة تحتاج إلى شرح بعض ما جاء بمفرداتها العلمية فهي: 1/ فاشيولا «دودة كبدية» 2/ شستسوما بوفيس مانسوناي جابونكم أنواع مختلفة من ديدان البلهارسيا. أما «البرازوكوانتيل» فهو العلاج السحري لديدان البلهارسيا. أسماء الأساتذة الأجلاء: «أبكر» هو الدكتور أبكر آدم محمد أستاذ الطب الوقائي والصحة العامة بيطرة نيالا. وبروف «حجر هو العالم البيطري المتميِّز محمد الأمين حجر كرمته جامعة نيالا عام 2002م شاعر وطبيب بيطري وإعلامي. التحية والتقدير للجميع. «من المحرر»: يبدو أن الشعر الحلمنتيشي في مرحلة الجامعة قد جمع بين العلوم والفنون والاحتفالات والمجتمع الجامعي فظل عالقاً في وجدان ذلك الجيل حتى بعد أن تفرقوا في حياتهم العملية كما وصف الدكتور محمد أمبدي أبو حريرة تلكم الحقبة من حياتهم الجامعية بأنها عبارة عن بدايات غضة وزفرات صبا يتوجس الشعراء من نشرها؛ وذلك لأن معظمها انفعالات شخصية فهو هنا يسترجع فيها مع أقرانه حلاوة الشباب وريعان الصبا.. والطريف أن الشستسوما «دودة البهارسيا» وجدت من المجد والخيال الحلمنتيشي ما لا تتوقع فهي حتى في تركيبة اسمها يعجز اللسان العربي عن ترديدها فما بالك من أخواتها «بوفس» و«مانسوناي» و«جابونكم» الله يكفينا شرهم. وتحضرني في حكاية المسميات للحشرات طرفة لاسم «بلدي» لحشرة كنت قد ذكرتها لأحد الأصدقاء فضحك من الاسم حينما ذكرتها وهو كلمة «قرمبعة».. قلت له في دهشة إنتو بتسموها شنو؟ أجاب: اسمها «أم كرچو» قلت له: تطير عيشتا.. القرمبعة وأم كرچو .. «الاسمين كريهات». التحية للدكتور أبو حريرة الذي طاف بنا «حلمنتيشيًا» في روائعه بعالم البيطرة.. مع العنزة «ناني».. ومع الشستسي.. أقصد الشش.. «الشستسوما».