همست في أذني ابنتي لينا قائلة Dad we will tell the police «under - age marrage» سوف نقوم بإبلاغ الشرطة فالعروس تحت السن القانونية للزواج فعمرها «15» سنة فقط كنا قبلها نحن مجموعة من السودانيين المقيمين بمدينة بورت ماوث على الساحل الجنوبي لإنجلترا نحضر إلى حفل بهيج لاستقبال «عروس» أحد الإخوة السودانيين المقيمين بالمدينة قادمة من السودان بعد أن تمت مراسم عقد زواجها هناك، زينّا شرفات وجدران صالة الفرح بالبالونات زاهية الألوان وأوراق زينة بألوان الفرح وأشكال الفأل الحسن، تفننت النساء في طهي أطباق الأطعمة السودانية الشهية فهي مناسبة للتحرر من صقيع الغربة وجفافها والعودة إلى الجذور، قبل همس لينا في أذني وهي ذات العشر سنوات في ذلك الوقت لاحظت حركة دؤوبة وهمسًا وغمزًا بينها وبين صديقاتها وقد توصلن إلى حقيقة عمر العروس وقررن الاتصال بالشرطة البريطانية قناعة منهن أن ما يحدث خطأ وغير قانوني تفاجأنا نحن الكبار بتصرف الصغار وكنّ على حق أدخلننا في ورطة، ولنزيل ونبرر هذه الغلطة جلسنا معهن واستمعنا لوجهة نظرهن وتوسلنا إليهن؛ لأنهن على حق ولكن مراسم هذه الزيجة تمت في السودان ولا تتعارض مع قوانينه وليس من الذوق أو الأدب أن نحوِّل الفرح إلى كره. تذكرت هذه الواقعة وأنا أتلقى دعوة كريمة من الصديق بهاء الدين عبد الباقي الملقب بالدكتور يزف لي فيها نبأ زواج ابنيه (محمد ومحمود) رغم اختلاف الزمان والمكان هذه المرة، التقاني صديقي بهاء مؤكداً الدعوة شفاهة فهو رجل كريم لطيف ظريف يؤمن بقيام المؤسسة الزوجية فعلاً وعملاً فهو متزوج من اثنتين ومؤسس ومدير لمنظمة خيرية اسمها البهاء الخيرية لتيسير زواج الأرامل ورعاية الأيتام ويحلو له تسميتها «بهاء الدين لإتمام نصف الدين» حدثني بهاء عن يوم مفتوح (فطور غداء عشاء) لزواج ابنيه محمد ومحمود تُنحر فيه الإبل والخراف ويصدح فيه الفنانون وتُدق فيه الطبول والنحاس يحضر فيه أهله وعشيرته من تمبول للعب الصقرية وأقسم صديقه عبد المنعم ود المهدي أن يساهم بناقة وحاشي ليرد كرم صديقه بهاء الدين كرمين، ومشهود لبهاء بكرمه «مو ضباح حميل وسخيل» وأرجو ألا أكون قد فقدت بعضاً من قرائي الشباب بذكر كلمة سخيل فقد سُئلت إحداهن: بتعرفي العتود فأجابت «هو قال بعرفني»، وسألت مرة ابنة صديقي دكتور حموري بتعرفي العتود فأجابتني «أيوا صاحب بابا» والتفتّ إلى صديقي دكتور حموري مازحًا أنت من فصيلة الأغنام ولا شنو؟ ففسر لي بأن له صديقاً كثير الكلام ملقب بالعتود وهو العتود الوحيد الذي تعرفه ابنته، وجزء من كرم بهاء الدين إجادته لفنون الطبخ وكم كنت ضيفًا على مائدته العامرة، كلما سمع بحضوري للسودان يتصل بي وتتصل زوجتُه وتحلف حرام نيابة عنه ويقوم هو بإعداد الطعام بطريقة شهية في العرض والتحضير بدءاً بالمرارة وأكباد الإبل مروراً بالشية والكمونية والكسرة المعدّة خصيصاً من تمبول تسمى (الأنديرة) وتنتهي بطبق من البطيخ في شكل شرائح ويتفنن في تقطيعها بطريقة جميلة أقرب إلى رصة أوراق الكتشينة وكل ذلك في جو من البشاشة والطلاقة واللطافة فالرجل مسكون بكرم حاتمي وحب للناس فله مني باقات من الورد والأماني والتهانئ والتبريكات لزواج ابنيه وللعريسين كل حبي وودي.