يدور هذه الأيام جدل مثير في تركيا.. بعد أن لمح رئيس الوزراء التركي أردوغان إلى إصدار قانون يحرِّم ويجرِّم ممارسة الإجهاض في تركيا. وفي تقديري أنه محق في ذلك لأن الترخيص بالإجهاض يمكن أن يجر إلى تعقيدات كثيرة وممارسات أخرى. ولم أكن أن أتصور مثلاً حجم الإجهاض في روسيا وحدها يبلغ مليوني حالة في العام إلا بعد أن قرأت خبراً في مجلة النيوسيانتست... يتعلق بالتعاون بين مركز للأبحاث الطبية في روسيا ومؤسسة سانسو للأبحاث الطبية بسانتا باربرا في ولاية كليفورنيا. والأبحاث تتعلق بعلاج مرض السكر. ولكن ما علاقة حالات الإجهاض بعلاج مرض السكر؟ المعروف أن هناك نوعاً من مرض السكر ويشار إليه بالفصيلة «أ» وهو ينحصر في الذين يعانون من خلل في وظائف البنكرياس فلا يفرز هرمون الأنسولين الذي يقوم بتنظيم السكر في الدم.. وعليه فإن المرضى يعتمدون على حقن أنفسهم بجرعات يومية من ذلك الهرمون... ولكن بمرور الوقت يصابون بأمراض تتعلق بضعف في النظر وفشل كلوي أو أمراض القلب... وأصبح الحل الوحيد الناجح هو أن تزرع خلايا بنكرياسية في البنكرياس المعطوب.. ولكن من أين تأتي تلك الخلايا البنكرياسية؟ وكانت الإجابة تنحصر في الحصول عليها من الأجنة أو أنسجة جنينية... وفي روسيا حيث لا يوجد تشريع يحرِّم استخدام الأنسجة الجنينية في عمليات الزراعة من هذا النوع فإن الروس متقدمون جداً في هذا المجال إذ يقومون سنوياً بزراعة أنسجة بنكرياسية في«6000» شخص أو أكثر من ذلك بينما ظلت التجارب في هذا المجال في الولاياتالمتحدة لم تتعد أكثر من «200» شخصٍ أجريت عليهم تجارب أولية، وكان الرئيس الأمريكي ريجان قد أوقف كل التجارب التي تدخل فيها أنسجة جنينية وذلك للمعارضة القوية من المجتمع الأمريكي للإجهاض الذي هو المصدر الرئيسي لتلك الأنسجة الجنينية، ولكن الوضع في روسيا يختلف فليس هناك مثل هذا الحظر على الإجهاض. ومما جعل الدوائر الطبية الأمريكية تنشط في مساعيها والمتوقفة منذ أعوام هو أن الرئيس الأمريكي كلينتون قد رفع الحظر عن إجراء التجارب التي تدخل فيها أنسجة جنينية ولهذا أبرم ذلك الاتفاق والذي تصدر بموجبه روسيا تلك الأنسجة وكان قد تقرر أن تصل بعثة طبية روسية مكونة من ثلاثة أطباء يحملون معهم أنسجة تكفي للزراعة في«40» شخصاً كلهم يعانون من مرض السكر. ويقول الروس إن طريقتهم تلك قد خفضت اعتماد المرضى على الأنسولين الذي يؤخذ عن طريق الحقن بحوالى «90%» وهم على استعداد في مجال التعاون المشترك بينهم وبين الولاياتالمتحدة لتقديم خبراتهم في هذا المجال، وبما أن مؤسسة الأبحاث الطبية في سانتا باربرا هي الرائدة في ذلك المجال فقد قرروا أن يبدأوا عملياتهم فيها. وما أن أعلنت السلطات الطبية الأمريكية عن هذه الخطوة حتى تقدم لها المئات من المرضى وكلهم يطلبون زراعة الخلايا أو الأنسجة الجنينية الروسية فيهم .. ويبقى موضوع ذلك الإجهاض بذلك الحجم الكبير في روسيا الذي تمارسه السلطات الطبية يثير الدهشة والاستغراب. ويثير كذلك أكثر من سؤال أخلاقي... فقد قرأنا من قبل أن بعض النسوة أصبحن يؤجرن أرحامهن لزراعة الأجنة فيها بعد أن يتم تلقيحها في أنابيب الاختبار.. والآن ما الذي يمنع هؤلاء النسوة من بيع أجنتهن بعد عمليات الإجهاض في سوق الأنسجة الجنينية. إن البحث العلمي يجب أن يضع في اعتباره مثل هذه الاحتمالات التي ستفتح الباب حتماً أمام الكثير من الممارسات التي لا تتفق مع الالتزام الأخلاقي لأي مجتمع نظيف. ولأن إباحة الإجهاض في تركيا بمثل ما يجري في روسيا سيفتح الباب على مصراعيه لكمية هائلة من الشرور ستنطلق من صندوق باندورا على النحو المعروف في الميثولوجيا الإغريقية وستنشط تجارة بيع الأنسجة.. فالحاجة قد تدفع بعض النساء العاطلات عن العمل إلى الحمل والإجهاض لبيع أنسجة تلك الأجنة لتعمل كقطع غيار بشرية. ولهذا كان رئيس الوزراء التركي محقاً عندما فكّر في تشريع يمنع تلك الممارسة التي لن تحمد عقباها. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشترِ ولا تهدِ هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل، وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع، وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.