إعلان حكومة جوبا عن تبرؤها عن الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عقار والحلو وعرمان لم يكن شيئاً مناسباً بالنسبة لها في الساحة الإعلامية باعتبار أنه يؤكد بوضوح مدى عدم المصداقية لديها.. والحكومة السودانية نفسها لم تشترط في مفاوضاتها معها بأديس أبابا والتي تجري في هذات الوقت بعد تطورات أمنية كبيرة لم تشترط عليها إعلان التبرؤ من «قطاع الشمال» التابع للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا سياسياً وعسكرياً، فهي اشترطت فقط لاستئناف التفاوض احترام سيادة الأراضي السودانية، وهذا شرط واضح التفاصيل ويعني وقف الاعتداءات في جنوب كردفان والنيل الأزرق بواسطة الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعة للجيش الشعبي «لتحرير السودان» كما يسمى هكذا حتى الآن.. هذا ما يهم الحكومة السودانية والشعب السوداني الذي يعاني أبناءه في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور من عدوان الجيش الشعبي ومن دعم حكومة جوبا لهذا العدوان.. وهنا يجدر بنا أن نذكر ما كان قد قاله ياسر عرمان حول تبعية «قطاع الشمال» للحركة الشعبية «القيادة الجنوبية» بعد انفصال جنوب السودان الذي وكأنما جعله يهيم على وجهه فقد قال: «علاقتنا ستكون مثل علاقة الإخوان المسلمين في مصر والسودان ومثل علاقة أحزاب الخضر في أوروبا، فنحن قوة وطنية مستقلة ورؤية جون قرنق رؤية جيدة للشمال والجنوب، والذين يحملون رؤية حسن البنا وميشيل عفلق يجب أن يحترموا رؤية د. جون قرنق» انتهى.. وبهذه التصريحات يمكننا أن نفهم أن عرمان يعوزه الفهم السياسي ويفتقر إلى الأفق الواسع وما زال حتى الآن يتعامل بعقليته منذ أن كان طالباً ثم هرب تاركاً الدراسة الجامعية. وإذا كان هو وعقار قد لحقا بمفاوضات أديس أبابا حول الترتيبات الأمنية وعقدا اجتماعاً مع رئيس الآلية الإفريقية بيير بويويا، فإن السؤال هو ما علاقة حركتهما بمفاوضات بين دولتين خاصة بعد تبرؤ جنوب السودان منها؟! وبالعودة إلى ما صرّح به عرمان، فهو يقول إن علاقتهم مع الحركة الشعبية ستكون مثل علاقة الإخوان المسلمين في مصر والسودان، لكن هل علاقتهما هنا وهناك عسكرية؟! هل يمد أخوان السودان أخوان مصر بالسلاح أو العكس للقيام باعتداءات كما تفعل الحركة الشعبية هنا وهناك؟! والمضحك جداً أنه يقول: «الذين يحملون رؤية حسن البنا وميشيل عفلق يجب أن يحترموا رؤية د. جون قرنق» انتهى.. وبدورنا نسأله عن الذين لا يحملون رؤية البنا ولا عفلق هل لهم أن يحتقروا رؤية جون قرنق ذلكم الرجل الذي كان ضابطاً بالجيش السوداني فهرب من الخدمة أثناء إجازته ليلتحق بقائد التمرد كاربينو كوانين؟! ولماذا لا يكون صاحب الرؤية الجديرة بالاحترام هو كاربينو كوانين؟! تصريح غريب وركيك وينم عن جهل سياسي.. ومعلوم أن معظم الشعب السودني لا علاقة له برؤية حسن البنا ورؤية ميشيل عفلق رغم أن الأوّل مسلم والثاني دخل الإسلام وسمّى نفسه أحمد ميشيل عفلق حسب إعلام بعث العراق أيام كان في السلطة، ولما مات صلّت عليه قيادة البعث العراقي الحاكم حينها صلاة الجنازة وفق الشريعة الإسلامية، وهو فعل عكس ما فعله دينق ألور الذي كان اسمه «أحمد» فارتد ليكون «دينق ألور»، وهو شمالي من أبيي وينتمي إلى دينكا نقوك التي هاجرت من الجنوب. ثم إن أغلب شعب جنوب السودان لا يحترم رؤية جون قرنق، فلماذا يطلب عرمان من الذين يحملون رؤية البنا وأحمد ميشيل عفلق أن يحترموا رؤية قرنق؟! وهل يسع الإخوان المسلمين أن يحترموا رؤية قرنق الذي حارب المسلمين؟! وهل يسع البعثيين السودانيين أن يحترموا رؤية قرنق التي تعادي الوجود العربي في السودان وفلسطين وحزبهم هو حزب البعث العربي الاشتراكي؟!. إن عرمان يحاول أن يبرر ارتباطه كشمالي بالحركة الشعبية حتى بعد الانفصال، لكن وجوده وصحبه عقار داخل أسوار مفاوضات أديس أبابا يعني علاقة حركتهما بحكومة جوبا بمستوى أكبر وأعمق من علاقة الإخوان المسلمين في السودان ومصر والبعثيين في السودان والعراق والخضريين في أوروبا.. يعني مشروع السودان الجديد التآمري وآلياته الحركة الشعبية «لتحرير السودان» والجيش الشعبي «لتحرير السودان». إذن الفرق واسع.