تقول الطرفة إن أحد «المرطبين» جداً.. وغير المهمومين بقضايا «المهمشين والطبقة العاملة» والتي يطلق عليها البعض «الطبقة المسحوقة وملح الأرض» هذا الرجل «المرطب» كان يجلس على الكرسي الوثير خارج باب داره العامرة وأمامه وضعت منضدة صغيرة عليها الماء البارد وما تبقى من فنجان القهوة وطفاية السجائر والكبريتة.. وكان الرجل المرطب مشغولاً بالكدوس الذي بين يديه وقد انحشر في داخله عود كبريت جعل من الصعب مرور دخان التبغ من خلاله قبل إخراجه بواسطة «حديدة» مخصصة لهذا الغرض.. وفي هذه الأجواء التي كان فيها الرجل المرطب يحاول «مستميتاً» أن يُخرج العود من الكدوس جاءه أحد أقربائه مسرعاً مهموماً أشعث أغبر وهو يلهث وفي عينيه بقايا دموع بسبب خبر وفاة والده الذي مات قبل ساعة.. وجاء «الأشعث الأغبر» ليخبر قريبهم المرطب بالوفاة لعله يساعده مالياً بتقديم بعض المعونة لإقامة المأتم في قريتهم أو ربما تبرع بالذهاب معهم إلى قريتهم وحضر ليالي المأتم هناك واستقبل المعزين ورفع الفاتحة مع القادمين من الأهل والأصدقاء.. وظل الأشعث الأغبر يردِّد الإفادة ويكرِّر القول إن أباه قد مات.. ولأن المرطب كان مشغولاً جداً «بمعافرة» العود الذي انكسر في باطن الكدوس وبمحاولة استعمال «الحديدة» والحك بها لإخراج العود فإنه لم يكن مستعداً «نفسياً على الأقل» للاستماع لما يقوله الأشعث الأغبر.. ولهذا فقد ظل الرجل يكرِّر مقولة إن أباه قد مات، بينما المرطب يكرِّر في غير انتباه مقولة: «آي.. أيوا.. أها.. قت شنو.. آي.. قلت منو.. آآآي» وأخونا الأشعث عندما «زهج» من المرطب قال له: «أنا أقول ليك أبوي مات تقولي لي قلت شنو؟!». والرجل المرطب وفي غير ما اكتراث أيضاً رد عليه قائلاً: «إنت في أبوك المات واللاّ كدوسي الانكسر فيهو عود».. وأهلنا وممثلونا في المجلس الوطني هذه الأيام مشغولون مع وزارة الصحة ووزيرها وجمعيات تنظيم الأسرة في شيء اسمه «الواقي الذكري».. والمشكلة أن بعض أعضاء المجلس يعتقدون وجود شركة أمريكية اسمها «دي كي تي» تعمل على إبادة الحرث والنسل وتقوم بتوزيع الواقي الذكري وإجراءات أخرى، والسيد الوزير يحاول أن يوضح أن تنظيم الأسرة يقوم على المباعدة بين الولادات واستعمال الوسائل المضمونة «بالمشورة» بين الزوجين.. وهنا المشورة ليست لها علاقة بالمشورة الشعبية بتاعت عقار أير وعبد العزيز الحلو.. والوزير يؤكد أن الوزارة تلزم الشركة بتقديم خدماتها وفق مبادئ وقيم السودان. طيب يا جماعة نحن الآن في حالة حرب مع دولة جنوب السودان.. ونحن في حالة ضغوط دولية تحاول أن تفرض علينا حلولاً تمليها أمريكا وإسرائيل.. ووفدنا يفاوض في أديس أبابا وهو تحت مقصلة المرزبة والمطرقة والسندان ويحرسه أمبيكي.. ويتلِّب عليه «عرمان وعقار» في أديس دون سابق إنذار، والناس تتململ إن كانت المحروقات سيرتفع ثمنها أم تظل في مكانها.. وكلنا يضع يده على قلبه خوفاً من الأسوأ القادم.. وجهات معنية بترتيب البيت من الداخل تحاول تحريك كل قطاعات المجتمع نحو الجهاد والاستشهاد وبذل النفس والنفيس.. وآخرون من إخواننا يجتهدون للحاق بموسم زراعي مطري يبدو أنه جاء هذا العام مبكراً ومبشراً.. والمعارضة يقف على رأسها فاروق أبو عيسى ويتوعد بالخروج إلى الشارع، وإسقاط النظام متعاوناً مع كمال عمر بتاع الشعبي وشيء اسمه التحالف، وفي هذه الأجواء والبيئة التي تُدقّ فيها طبول الحرب.. وهتافات الجهاد.. وصيحات الاستشهاد وتحركات الطابور الخامس يناقش أهلنا من أعضاء المجلس الوطني موضوع «الكوندوم» «والواقي الذكري» و«الحفايظ» و«البامبرز» و«الذي منو».. نحن نقول و«نكورك» و«نعيّط» بأعلى الصوت إن أبانا مات وباقان وعرمان على أبواب السودان، وأهلنا المرطبون في المجلس الوطني يقولون «إنتو في أبوكم المات واللاّ في كدوسنا الانسكر فيهو العود!!». بهذه المناسبة إذا كانت أمريكا تقاطعنا فكيف جاءت شركة أمريكية توزع الكوندوم و«الواقي الذكري على المواطن؟» سؤال ساكت بس..