مع تطاول السنين وتعدد التضحيات والمغامرات التي تحتشد بها حياة المهاجرين تظل القضايا عالقة والحلول مستحيلة والمعنيون لا يبالون وربما لا يدركون ذلك الخطر والمستقبل المجهول الذي ينتظر قطاعًا كبيرًا من المهاجرين السودانيين في مهجرهم يقاسون ويلاتهم ويكفكفون دموعهم ويتقلبون فوق عذاباتهم.. ولكن ليست هي تلك وضعية كل من هجر الوطن واختار بلدًا غير بلاده ومجتمعًا غير مجتمعه وإنما هناك من أنعم الله عليهم بالخير والراحة وحصد المقتنيات والقناطير المقنطرة من الدولارات والريالات فسعدت حياتهم وهنئوا بعيشة رغدة بلا متاعب ويبدو أن جهاز المغتربين يعلي دائمًا من شأن اهتمامه بهذه الشريحة فهي التي تدر له لبنًا صافيًا ووفيرًا دون أن يتكفل هو بتوفير الأعلاف أو المدخلات الأخرى ولكن في المقابل حسبما تتحدث التقارير القادمة من أعماق المهاجر أن هناك نفرًا من السودانيين من الذين تقطعت بهم السبل وسقطت أحلامهم وتلاشت سنواتهم بلا حصاد وباتوا عالقين كما المتسولين ينتطرون فرجًا من الله وغاية ما يتمنونه أن يحصلوا على تذكرة سفر تعيدهم إلى حضن الأهل وأرض الكنانة.. ولأن المَهاجِر لها ظروفها وتأثيراتها على كل وافد مهما كانت جنسيته أو دينه أو حتى علاقة دولته مع الدولة التي يقيم فيها هذا الوافد وهذا المنطق هو الذي دفع بالآلاف من السودانيين في الشقيقة ليبيا إلى المهالك والمتاعب والمعاناة المستمرة فكم من السجون الليبية احتضنت في جوفها العشرات من السودانيين ظلوا قابعين فيها منذ حقبة النظام السابق ولا يزالون وهذه الحقيقة حصلت عليها «الإنتباهة» من إفادات العديد من الأسر السودانية التي فقدت آباءها هناك فلم تشفع المواقف السياسية التي اتخذتها القيادة السودانية لدعم الثورة الليبية والاحتفاء مع الليبيين في مرحلة انعتاقهم إلى فضاء ما بعد القذافي ورغم ذلك لا يزال هناك من السودانيين في ليبيا يبحثون عن واقع جديد .. واقع تتجلى فيه مسؤولية الدولة في المقام الأول تجاه رعاياها هناك حتى يفك أسر هؤلاء وترد لهم حقوقهم فالدولة مطالبة بإعلاء مسؤولياتها تجاه المغتربين وإلا فليس هنالك معنى بأن تدفع الحكومة سفيرها الجديد إلى طرابلس حاج ماجد سوار دون أن تكون قضيته الأولى وملفه الحاسم مع القيادة الليبية هو تسوية كل المشكلات التي تواجه السودانيين هناك ونظن أن التوجيهات الرئاسية التي تلقاها سوار من رئيس الجمهورية لا ينبغي لها أن تتجاوز هذا الملف الهام والعالق حتى الآن، فقضية أحداث الزاوية الشهيرة يجب معالجة كل تداعياتها وإعمال مبدأ رد الحقوق لكل ذي حق من المتضررين والضحايا.. إذن القضية تحتاج إلى مزيد من التحلي بالمسؤولية ولكن يبقى السؤال والتحدي الماثل ماهو حجم التحرك والتفاعل من قبل جهاز المغتربين مع هذا الملف؟ وما هو حجم المكاسب التي جناها السودانيون بليبيا عبر منظومة جهاز المغتربين .. فقط نريد «فهامة» حتى نفهم ما جرى وما يجري الآن فالضحايا ينتظرون! طيات السحاب..إبراهيم أرقي يمثل المغتربون قطاعًا مهمًا جداً من قطاعات الشعب السوداني وداعمًا أساسيًا للاقتصاد الوطني ويتحمل مسؤولية مجتمعية جسيمة تجاه أسرته ومجتمعة وتتضاعف هذه المسؤولية كلما تدهور الوضع الاقتصادي وازداد غلاء المعيشة بحساب أنه يمثل شريانًا أساسيًا ومهمًا جداً للأسرة من الناحية المادية.ولكن للأسف إذا نظرنا في المقابل لهذا المغترب «المهلوك» نجد أن حقوقه مهضومة وغير واضحة المعالم بالرغم من شهادة الرئيس البشير بأنه كان أحد الزوايا الهامة جدًا في دعم الخزينة القومية بالعملة الصعبة أثناء الحصار الذي فُرض على السودان في منتصف التسعينيات إلا أننا نلاحظ ونتابع أن السياسيات الخاصة به والقرارات الصادرة له مبهمة وغامضة وغير واضحة المعالم خاصة فيما يتعلق بحقوق المغتربين والإعفاءات التي تقدَّم لهم سواء كان في نهاية تعاقدهم أو حتى أثناء اغترابهم. فإذا نظرنا إلى هذه الإعفاءات الجمركية التي تخرج بها قرارات «مزاجية» بين الفينة والأخرى نجدها قرارات مرتبكة وتتغير بين الفينة والأخرى ولا ترتكز على سياسة واضحة المعالم مما يؤكد «مزاجيتها» حيث يصدر قرار اليوم وبعد ستة أشهر يصدر قرار آخر يلغيه أو يعدل فيه وكأن القرار ليس بيد شخص واحد ولو أخذنا مثالاً واحدًا وهي سيارات المغتربين وهي نقطة مهمة جدًا لدى المغتربين نجد أن هذا الأمر صدرت فيه قرارات كثيرة وما زالت حتى أصبح المغترب لا يتابع هذه القرارات ولا يقرها ولا يعتمدها لأنه يعلم أنها تتغير باستمرار فعدم الثبات هذا أفقد الجهات الحكومية مصداقيتها عند المغترب وتأكد له أن هذه الجهات الحكومية ما هي إلا جهات جابية تبحث عن أي ثغرات تلج منها لجيب المغترب لتسحب من رصيده «الفاضي» أصلاً بسبب الالتزامات و«الحمل» الشايلو عن أهله وأسرته والمجتمع إضافة لدعمه للدولة ومشروعاتها وفي النهاية يخرج خالي الوفاض. والشيء المؤسف أن من تصدر له القرارات لا يعلم بها شيئًا ويفاجأ بها وهو في السودان وهذا يؤكد الغياب التام للتنسيق بين الجهات الحكومية وجهاز شؤون المغتربين المفترض فيه أن يكون هو صوت المغترب وهو حامي حماه والمدافع عنه وهو اللصيق بمشكلاته ولكن لا الجهاز ولا الحكومة يُسمعون صوتهم للمغترب الذي أصبح همّ الجهات المسؤولة البحث عن سبل لامتصاص دمه وماله بالرغم من أن هذه المغترب لا يكلف الحكومة «فلسًا» واحدًا بل يحمل عنها هماً كبيراً في إعالة أسر ودعم جهات مجتمعية ضعيفة ويمكن القول بأن المغترب صار يحفظ التوازن المجتمعي في السودان بدعمه المتواصل لكثير من الأسر الضعيفة. «نواصل»