في العشرينيات من القرن الماضي تضاعفت أعداد الأسر بالشمالية وضاقت السواقي على أهلها وتوزعت الفوائد بين الإخوان بعد أن رحل الأب اضطر السكان إلى الهجرة بحثًا عن سبل كسب العيش فاتجهت أعداد منهم إلى مصر ولبنان وبلاد الشام.. ثم تلتهم أعداد كبيرة في هجرة داخلية إلى كسلا والابيض والعاصمة المثلثة كما يحلو لنا أن نحتفظ باسمها هذا.. ثم الفاشر عن طريق الأربعين ونيالا.. واستقر الذين اتجهوا للبلاد العربية في المدن التي حلوا بها وانقطعت أخبارهم إلا من زيارات خاطفة حيث إن الكثيرين منهم تزوج وأنجب وارتبط بعائلة مصرية أو لبنانية إلخ. أما الذين هاجروا داخليًا فانهم كذلك انشغلوا باعمالهم التجارية والخدمية وفضلوا البقاء في ربوع السودان المختلفة وانصهروا بالمجتمعات التي رحبت بهم وجعلتهم جزءًا منها وساهموا في مشروعات التنمية وانخرطوا في طرق البناء والتعمير.. وفقدت الشمالية اكثر أبنائها وخلت القرى من ساكينها وتناقصت المدن وصعبت اساليب المعيشة وتضاءلت الخدمات واصبحت العاصمة دنقلا لا ترقى الى مستوى مركز في المديريات الاخرى.. وبعد مائة عام من الضياع استيقظ اهلها ورفعوا شعار العودة الى الجذور.. ولا يفوتني هنا ان اذكر نداء المغفور له الزبير محمد صالح رحمه الله بان تتجه التنمية للشمالية، كما لا يفوتني ايضًا ان ابعث بصرخة لأبناء حلفا والمحس لاعادة الشمالية الى سيرتها الاولى... وها هي بعض القرى انتظم اهلها بتحديد مناسبات يلتقون فيها ليتحدثوا عن نهضتها وعودة مجدها.. ومنهم من اسس بنياناً ليرتبط من جديد بالماضي التليد ولكن مع كل هذا التسارع لإيجاد أي مدخل يحرك دولاب وترس الحركة بالشمالية حزنت حزناً عميقا ًحيث تناولت الصحف يوم الجمعة الاول من يونيو في صفحتها الاولى بالنص العريض «اعتقال 400 منقب عن الذهب بالشمالية » واحتجاز «90» شاحنة محملة بالحجارة والصخور بحجة مخالفة امر مجلس محلية دنقلا ثم احتجزت آلياتهم ومعداتهم واتخذت المحلية اجراءات قانونية في مواجهة المنقبين. ماذا يضير المحلية لو انها حسبت حساباتها وتوقعت مستقبلاً ما يدره هؤلا على المنطقة قبل المحلية من ايرادات في الاكل والشرب والسكن والمواصلات وتشغيل اهل المنطقة وتخفيض اثر العطالة وايجاد اعمال هامشية واعمال تجارية لمد هؤلا باحتياجاتهم من لبس ومواد غذائية وتعمير المساجد التي خلت من روادها حتى اصبحت لا تقيم الجمعة لقلة السكان في القرى... وكم يا ترى يعود للمحلية من ايرادات تفوق ما تسعى اليه من هؤلا الذين يبحثون في الارض وتملأ الاحلام والاماني افكارهم ومراميهم.. وها هو وزير التعدين يطوف مناطق التعدين بالواقع المختلفة بالبلاد يحث الولايات ان تساعد هذا التعدين التقليدي وتوفر للعاملين سبل الراحة والامن كيف لا وقد انتج هؤلاء اكثر من «50» طنًا من الذهب لخزينة الدولة في العام الماضي كما ان قمة السلطة ترى في هذا التعدين المنفذ المنقذ للبلاد والضائقة الاقتصادية. والله نسأله التوفيق فاروق عبد اللطيف/ الكلاكة