الذي يلحظ ما يدور داخل أروقة المؤتمر الشعبي من يأس وقنوط لقاعدته وقياداته يمكن أن يجد تبريرًا لحالة القلق التي يعيشها الأمين العام للحزب الدكتور حسن الترابي فالرجل الذي أسس حزبه كند للمؤتمر الوطني وجعل كل همه هو القضاء على غريمه الوطني نكاية في من خرجوا عليه قبل اثني عشر عامًا بل وان الحقد الشديد الذي يملأ جوفه جعله لا يفكر في مستقبل حزبه او مستقبل البلد وماذا بعد ذهاب المؤتمر الوطني ولذلك جاء تحالفه مع ألد أعداء العقيدة الإسلامية بدءاً من الحزب الشيوعي السوداني الذي يعلم كل فرد في الحركة الإسلامية كيف حاول هذا الحزب الأفعى صاحب الفكرة المستوردة ان يعطل مشروع الحركة الاسلامي وكيف أنها وقفت ضده بل وفي سبيل ذلك جادت بالأرواح تضحية وفداءً من اجل سحق فكرته الباطلة. بل ويعلم الجميع كيف تحالف الترابي مع الحركة الشعبية مناصرة المشروع الصهيوني الذي يضمر كل الشر للإسلام والمسلمين، والترابي يعلم ان هذه التيارات الفكرية والدينية هي العدو الأول للإسلام ولكن حتى ينال من الذين خرجوا عليه ذات يوم لا بأس من ان يتحالف مع الشيطان إذن المسألة تبدو شخصية أكثر من كونها معتركًا حول مبادئ وقضايا أساسية ويبقى الشغل الشاغل للامين العام للمؤتمر الشعبي القضاء على المؤتمر الوطني وتأديب قياداته لأمر شخصي «وهذا معروف عن كاريزما الترابي» وهو في سبيل ذلك يمكنه ان يقتنص أي فرصة إذا كانت سلمية أو غير سلمية للنيل من عدوه اللدود المؤتمر الوطني واقصد بالسلمية هنا تحريك الشارع عبر الثورة والانتفاضة وغير السلمية عبر الانقلاب العسكري. ويظهر جليًا ان الترابي فشل في الأولى وهي تحريك الشارع لان المؤتمر الوطني وحكومته قد كسبوا ود الشعب السوداني بإشراكه في هموم الوطن والدفاع عنه والوقوف في وجه القوى التي تريد النيل من وحدة أراضيه والآن يفكر الترابي في البديل بل واجزم انه يفكر في القيام بانقلاب عسكري يستخدم فيه الحركات المسلحة ويستعين بدولة الجنوب في تنفيذه والدليل على ذلك هو ان الترابي قد أوفد مساعده إبراهيم السنوسي ومعه علي شمار في مهمة سرية إلى جوبا وكمبالا وذلك للاتفاق مع قيادات الحركات المسلحة والجبهة الثورية للانقضاض على الخرطوم في الوقت الذي يقوم فيه الترابي بإحداث ربكة داخلية وسط الجيش وذلك حتى يتسنى للترابي استلام السلطة عبر انقلاب تشارك فيه الميلشيات والحركات المتمردة. وهذه الخطة تم اكتشافها بسرعة من قبل الأجهزة الأمنية خاصة وان الترابي قد استخدم لتنفيذها شخصيات مشبوهة هما السنوسي وشمار فالأول مقرب جدا من الترابي ويثق فيه وفي السابق كان مسؤول العسكريين الإخوان في الجيش قبل انقلاب الإنقاذ وتمسك به الترابي في إدارة العمل السري يرجع لحساسية المرحلة وعدم ثقة الترابي في القيادات الحالية بالمؤتمر الشعبي وهو يعلم ان السنوسي لن يكشف سره لأن حبه للترابي وعاطفته نحوه يمنعانه من ذلك. واختيار على شمار يرجع لأن الرجل هو أيضًا «يعشق» الترابي وله علاقات قوية بالحركات المسلحة الدارفورية خاصة حركة العدل والمساواة. والرحلة الخارجية للرجلين المقربين جدًا من الترابي يبدو في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب للسودان فهي رحلة مؤامرة حقيقية على الوطن لضغائن شخصية لا يتصور أن يصل إلى هذه الدرجة. ومما تسرب من الأخبار ان الرجلين اجتمعا بقادة الحركات المسلحة الدارفورية واتفقوا فيما بينهم على سيناريو إطاحة النظام بواسطة العمل المسلح وان تكثف الحركات نشاطها في الشريط من كردفان الى الخرطوم على ان يقوم الترابي وأحزاب المعارضة الموالية له بالعمل في مسارين شعبي وسط الجماهير ومسار آخر للعمل داخل المؤسسة العسكرية ويعول الترابي وحلفاؤه على الأزمة الاقتصادية الحالية ان تعبئ الشعب ضد النظام وأنها سوف تحدث خلافات داخل الحزب الحاكم وأجهزته باعتبار ان ميزانية الصرف السيادي سوف تقل وان الوزراء وقيادات الدولة سيعانون اشد المعاناة وسيتم تحجيم الأموال التي كانت تُصرف عليهم وهذا من شأنه ان يقصم ظهر البعير. هذا السيناريو ما زال مرسومًا فالذي يلاحظ تحركات الحركات المسلحة في دارفور وكردفان يتأكد له تمامًا أنها تقوم بلعب دور مطلوب منها وهذا الدور مرتبط بعمل داخلي محتمل وبالتالي يمكن القول ان إيمان الترابي بإسقاط النظام عبر ثورة جماهيرية شعبية أصبح ضعيفًا وهو يرى انه سيطول وان البديل العسكري هو السيناريو القائم خاصة وان السنوسي وشمار قد قابلا شخصيات غربية بواسطة الحركة الشعبية وتم تمليكهم معلومات عن الحكومة والمسؤولين في الدولة ونهجهم في العمل السياسي ويريد الرجلان اللذان ابتعثهما الترابي ان يقولا للدول الغربية انه لا مفر من انقلاب عسكري يطيح هذا النظام. ولكن السياسة لعبة لا تحتمل الغباء ولا الأغبياء ويظهر ذلك في الزيارة التي قام بها سلفا كير رئيس دولة جنوب السودان إلى إسرائيل بعد اللقاء الذي تم بينه وبين إبراهيم السنوسي «هل هي صدفة ان تكون زيارة السنوسي وشمار لجوبا قبل زيارة سلفا كير لإسرائيل» وذلك لطلب الدعم من الإسرائيليين لتنفيذ المخطط الذي تم الاتفاق عليه مع جماعة الترابي وتلا ذلك هجوم دولة الجنوب على منطقة هجليج واحتلالها في خطوة غير مدروسة جعلت النظام يتنفس الصعداء وهو يرى مساندة المواطنين له لرد كيد الأعداء متناسين ما يعانونه من ضغوط معيشية.