جاءت الذكرى التاسعة لرحيل العلامة عبد الله الطيب التي تصادف يوم «19» يونيو في احتفائية علمية كبيرة.. تحدث فيها لفيف من العلماء والأدباء.. مشيدون بدور الفقيد الكبير باعتباره عالمًا من العلماء الذين قل أن يجود الزمان بمثلهم ومعددين إسهاماته الفكرية والأدبية في إثراء الساحة الأدبية والعلمية في السودان والعالم العربي. تحدث في مستهل الندوة الدكتور حمد النيل محمد الحسن رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الخرطوم.. كما تحدث الدكتور صديق عمر الصديق مدير معهد العلامة عبد الله الطيب للغة العربية.. وكشف الصديق عن مشروع لطباعة رسالة الدكتوراه التي قدمها العلامة في لندن عام«1950م» في كتاب وذلك برعاية شركة زين للاتصالات وترجمة الأستاذ عبد المنعم الشاذلي.. وأضاف الصديق أن الرسالة ستصل المعهد قريبًا في خمسة آلاف نسخة واعدًا بأنهم سيحتفون بها احتفاء كبيرًا.. وأشار إلى أن هناك دراسات قيمة جمعها المعهد عن أدب العلامة في الأدب في شتى مناحيه من شعر ونثر ونقد كتبها أساتذة كبار ومعهم شباب من الباحثين والمؤلفين.. وفي ختام كلمته وعد الصديق بأنهم لن يدخروا جهدًا في خدمة أدب العلامة التي هي خدمة للأدب السوداني. وألقى كلمة أسرة العلامة عبد الله الطيب الطالب مصطفى عبد الرحيم أحد أحفاد أخت العلامة أم الخير. وتحدثت في الندوة الدكتورة إنتصار صغيرون الزين عميد كلية الآداب نيابة عن مدير جامعة الخرطوم والتي كشفت عن طباعتها ترجمة كتاب الأحاجي السودانية لعبد الله الطيب. وتحدث الأستاذ صديق المجتبى عن ذكرياته مع العلامة وقال: إن العلامة عندما عاد من لندن عمل مدرسًا وهو بهذا العلم الغزير الذي لو توفر لغيره لهرب إلى الخارج ولكنه عاد وأفاض كالنيل.. وأضاف المجتبى أن عبد الله الطيب «كان معلمًا نظر في المناهج فعمد إليها فخصبها بالعلوم النافعة والعربية الفصحى». وأشار إلى إننا أمام تحدٍ كبير يتمثل في إخراج تراث العلامة الذي يقبع في كثير من الأضابير كتسجيلاته في الإذاعة السودانية.. وقال إن العلامة هو من حول تفسير القرآن الكريم من صفويته إلى شعبويته.. واقترح المجتبى أن تقوم هيئة من علماء معهد العلامة بتحقيق تراثه وإقامة موقع خاص لعرضه.. كما دعا المجتبى إلى توسيع ذكرى العلامة وجعلها موسمًا ثقافيًا عالميًا تقدم فيه الدراسات من مختلف أنحاء العالم.. وألقى المجتبى في ختام كلمته قصيدة يرثي فيها العلامة. وقدمت الأستاذة فاطمة عبد الله الزين دراسة ببلوجرافية بليومترية قالت: إن الهدف منها هو إعداد ببلوجرافيا وصفية مختارة للإسهامات الفكرية للبروفيسور عبد الله الطيب على المستويين المحلي والعالمي.. وتمثلت هذه الإسهامات في المؤلفات المتعددة المتاحة في شتى الأشكال العلمية والأدبية التي قدمها العلامة.. وقالت فاطمة إن الدراسة جاءت في قائمة وصفية لأنها تصف الإسهامات الفكرية من خلال الوصف الببلوجرافي للكتب والمقالات والتسجيلات الإذاعية والتلفزيونية للعلامة في شتى ضروب المعرفة. كما قدم البروفيسور عبد القادر محمود أستاذ كلية الآداب السابق بجامعة الخرطوم سردًا تاريخيًا لحياة عبد الله الطيب من طفولته حتى عودته النهائية إلى السودان وانضمامه إلى بخت الرضا في عام «1957م».. وذكر محمود أن عبد الله الطيب واجه كثير من الابتلاءات في حياته قابلها بالصبر وقوة العزيمة.. الابتلاء الأول كما قال محمود كان في الأنفس في عائلته الصغيرة فقد مات أبوه وهو لم يزل في المتوسطة ببربر عام «1933م»، وقد كان لموت أبيه أثر سلبي ضخم في حياته، فقد اشتد عليهم الفقر فتركوا منزلهم ليستأجر وسكنوا في بقايا أطلال منزل جدهم عبد الله.. ثم جاء موت أخيه حسن وهو صغيرًا.. وبموت والده وأخيه كان عليه مواجهة الدهر وحده.. ثم ماتت أمه ولحقت بها جدته بعد شهر بعد ذلك ماتت أخته زينب ثم أم الحسنين.. ويواصل محمود سرده للابتلاءات التي تعرض لها عبد الله الطيب قائلاً بعد أن تزوجت أخته آمنة لم يترك له الدهر إلا أخته أم الخير. ويضيف أنه لما كانت جيزلاند تلح عليه في الزواج في لندن رفض رفضًا باتًا أن يتزوج ما لم تتزوج أخته أم الخير.. وتزوج جيزيلاند في عام «1948م» بعدما تزوجت أم الخير. ويواصل الأستاذ محمود قائلاً: إن الابتلاء الثاني الذي تعرض له عبد الله الطيب عندما كان في السنة الرابعة المتوسطة التي في آخرها الامتحان للفيزياء أصابته الحمى حتى عجز عن الحركة، ولم يشفَ بسهولة حتى إنه بدأ يتعلم المشي من جديد على العنقريب كالأطفال. ويضيف محمود أنه لما رجع المدرسة في بربر مرض مرة أخرى بالدسنتاريا حتى سقط كل شعر رأسه وطار أصبعه.. وتلاحقه الابتلاءات حتى دخوله الكلية.. حيث كسر يده حتى أصبح يكتب باليسرى.. ويقول محمود إن من أشد ابتلاءات العلامة أنه أحاط به خصوم وحَسَدَة بلا مبرر بعضهم نشأ من نفسه وبعضهم أنشأه له خصوم آخرون. ويضيف محمود أن أولى المزايا التي قدرها الله له وأهلته لتلك الابتلاءات هي ذكاؤه الشديد، فكان الأول في امتحان دخول المتوسطة، وكان أول دفعته مرة ثانية في امتحان دخول الكلية، والوحيد المقبول بالمجان.. ثانيًا خصه الله بذاكرة خارقة وقدرة على الحفظ.. ثالثًا حبب له الإطلاع فمهد له الطريق إلى المعرفة.. رابعًا خصه الله بجرأة وثقة في النفس عالية.. خامسًا حباه الله بقدرة عالية على المجابهة والصمود.. سادسًا منحه الله عاطفة جياشة.