.. أحسب أننا جيل أقلّ حظًا من الجيل الذي قبلنا، قد نكون أسعد حظًا منه في تعاطينا مع التطوّرات العلمية والتقنية مع الآلة ولعل زماننا يبعدنا قليلاً قليلاً عن التعاطي مع البشر إلى التقرب من الآلة والأنس بها بدلاً من الأنس بثراء العقول وأصحاب الخبرات والتجارب الناصعة والشخصيات الفريدة.. ولا نعيب زماننا، لكني أشفق على أنفسنا من زمان تبهت فيه الأشياء تدريجيًا وتخف الأوزان وتتقزم القامات ويخف الإحساس، والعقول أحيانًا..! .. عندما نطالع سيرة من عاشوا في أزمان اقتربت منا ولم تنتظرنا، شخصيات أثرت وفي مجالات مختلفة في المجتمع.. كم نحسد من صحبوهم ومن تعاملوا معهم ومن نهلوا من معينهم.. ولا نكف عن التمني رجوعًا إلى عظيم زمان عاش فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام كيف نكون نحن هناك مع الرفقة الشريفة لكنها أقدار مسطرة.. أن نعيش هذه الدنيا بعدهم وهذه الأيام ونعاصر أجيالاً بعدهم، فيهم من أضاء وفيهم من خبأ وندعو الله دومًا أن نكون في طريق من يضيء ويضع بصمته في الأيام؛ ودون ترتيب معيَّن أو أولوية مثال بالنسبة لي وفقط بما قرأت عنهم على قلته مس بداخلي وترًا مضيئًا؛ ومنهم من قبل المهدي وود حبوبة والخليفة عبد الله وبت المك.. ومن بعد؛ الراحل جمال محمد أحمد وإبداع وسحر ما خطته وتخطه الأقلام عنه، أقلام عاشت معه وسمعت منه وعنه الكثير.. وتخبرنا كيف لحياة شخصٍ ما وبكل تلقائيتها وأريحيتها تصبح منهاجًا ومدرسة ومعينًا ينهل منه ولا يجف، وهناك من يشبهه حتماً.. وأتساءل كيف هم أبناؤه وأين هم؟ وهناك صلاح أحمد إبراهيم ولا أدري من أين يأتيني ذلك التوحُّد في الإحساس كلما قرأت له أو عنه.. وأتمنى لو كنا شهود عصر على عمالقة في أوطاننا وتاريخنا لامسوا فينا وترًا؛ وقفوا المواقف وقادوا الفكرة والرأي.. ولا ندري هل سنكون عندها ذاتنا الآن أم نكون شأنًا آخر.. وخارج مكاننا؛ نقرأ عن غاندي وزمنه وندهش لذلك الرجل الإنسان وتلك الحياة التي ملأها طولاً وعرضًا وبرؤيته وقناعاته، ونتمنى أن نعاصر شخصًا كغاندي.. أو أحد الذين سطروا بشخصياتهم ومواقفهم تاريخًا عظيمًا لا يُنسى.. ونمني النفس كل يوم أن تكون لدينا القدرة على اكتشاف المدهش من شخصيات تحوم بيننا، أن نرقى لمستوى نصادف فيه ونصادق ونتعامل مع قامات بعمر زماننا سامقة تبني ولا تهدم! تعمل ولا تتخاذل! تحب ولا تكره!!.. ونعيب زماننا والعيب فينا... لن نتباكى ها هنا، لكنا نحفز أنفسنا للتحلل من شوائب التصقت بنا أُقحمت فينا وبيننا!!..