كل ما لم نكن نريده أن يحدث قد حدث.. وليس منه بد.. فقد جاءت القرارات الاقتصادية الأخيرة تحت مسمى الإصلاح لتجعل المواطن هو الذي يتحمل عبء سد العجز في الموازنة فحدثت موجة جديدة من ارتفاع الأسعار.. ومن الواضح أن القطاع الاقتصادي يصر على تطبيق تلك الإجراءات، بل إن الزيادة في أسعار المحروقات وغيرها من السلع الأساسية قد دخلت حيز التنفيذ.. والسؤال ثم ماذا بعد؟ ليس من المفيد أن نتحدث بلغة «هذا لم يكن من المفترض أن يحدث» باعتبارها لغة غير مفيدة، إنما علينا أن نتحدث بلغة «ثم ماذا بعد» وندلي برأينا بناءً على ذلك. إن الحزمة المسماة بالإصلاحات تشمل جوانب أخرى نأمل في تطبيقها، وذلك لأنها الجوانب التي كنا نأمل أن يتم التوجه إليها دون لجوء لزيادة أسعار المحروقات والسلع الأخرى، أو زيادة القيمة المضافة التي ستؤثر بدورها على أسعار السلع.. وهذه الجوانب تتعلق بتخفيض تكلفة إدارة جهاز الدولة بتخفيض استحقاقات الدستوريين وتقليص عددهم وتقليص عدد الوزارات وإيقاف المباني الحكومية وحصر السفر للمسؤولين في إطار الضرورة القصوى .. إلخ.. ومن ناحية أخرى فإن القول بأن السودان قد توفرت لديه عملات حرة عبر التحركات الخارجية والذهب وأن بنك السودان المركزي سيضخ المزيد منها في الأسواق لمقابلة احتياجات الاستيراد كلها، هذا القول قد يصيبنا بالاسترخاء إذا لم نضع في اعتبارنا أهمية ديمومة ذلك. ومن أضرار الاسترخاء أنه سيضعنا بيومٍ ما عند نقطة المفاجأة والحيرة وعنق الزجاجة عندما تتناقص ما لدينا من عملات حرة فلنلجأ مرة أخرى «للتضييق» مما يزيد من سعر الدولار في السوق الموازي، وعليه لا بد من الاستمرار في البحث عن كل الوسائل الممكنة التي تجعل إيراداتنا من العملات الحرة أمراً مستمراً ومتصاعداً من أجل فك الاختناق بصورة نهائية وإعادة الاعتبار للجنيه السوداني وإرجاعه للسعر الحقيقي الذي كان عليه قبل ذلك. وأخيراً نقول إن الحزمة المسماة «بالإصلاح الاقتصادي» لا تشكل في حقيقتها حلاً لمعضلة الاقتصاد في السودان، فهي مجرد محاولة مؤقتة لسد العجز في موازنة الحكومة في فترة زمنية محددة.. أما الإصلاح الحقيقي الذي نريده فهو خطط علمية لتفجير طاقات الشعب، كل الشعب، من أجل استغلال الموارد والثروات الطبيعية الكبيرة والمتنوعة الموجودة في السودان وزيادة الإنتاج والإنتاجية باستخدام التقنية الحديثة في الزراعة والصناعة وتربية الحيوان واستغلال الثروة المعدنية.. وهذا ما لا نراه حتى اليوم.