نذكر بأن إحدى الولايات بأمريكا، كانت قد تمردت على الإدارة الأمريكية وحاولت الخروج على النظام الدستوري والشرعي القائم، ووقتها لم تتردد الحكومة الأمريكية في حسم من كانوا وراء ذلك الفعل، ويحق لكل دولة ذات سيادة أن تحافظ على نظامها السياسي وأمنها الوطني، وإلا لأصبحت الدول موضوعاً للتدخل الدولي لصالح المجرمين والمهددين للأرواح، والمعتدين على الممتلكات، ولما كانت هناك دولة ذات عضوية بمنظمة دولية أو إقليمية. وفي حالتنا الراهنة، لا نجد مبرراً للحديث عن ضرورة لإقحام المجتمع الدولي في شأنٍ يخص ولاية أو جزءاً من بلادنا، بسبب أن فرداً أو مجموعة، حاولت أن تخرج علانية ضد النظم المرعية، وتوجه الأسلحة والبنادق إلى صدور الآمنين، وتدعي بذلك أنها صاحبة حق في الأمر والنهي، دون اعتبارٍ لسلطة مركزية، أو لنظام سياسي اعتمد على الحرية في الاختيار والتداول السلمي للسلطات. وفي النيل الأزرق، كما هو معلوم، أجريت الانتخابات فأفرزت نتيجة بالرغم مما لدينا من تحفظات بشأنها، أسفرت عن فوز رجل أسندت له مسؤولية حكم الولاية، وبالتالي يفترض أن يخلع عن نفسه صفة الحزبية ليصبح حاكماً قومياً لأهل الولاية، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، فيبذل لهم الخدمة، ويرعى أمنهم، ويسهر على طمأنينتهم، ويعمل لترقية حياتهم، وتسهيل معاشهم، ولكن انقلب الأمر ليصبح الوالي المنتخب، ليس والياً لولاية وإنما حاكماً لكل السودان، يضارع رئيس الجمهورية، ويهدد السلطة الاتحادية، ولا يخضع لسلطانها، معتمدًا على جيشه وزبانيته وسلاحه الذي يعود للحركة الشعبية، تلك التي ذهبت بالجنوب الذي أصبح دولة قائمة بذاتها بموجب اتفاقية شهد عليها العالم. والرجل فيما يبدو، عندما نصب حاكماً لولاية النيل الأزرق، سرت في دمه فورة العنصرية والزعامة، وأراد أن يجعل من ولايته منطلقاً لتكرار جنوب جديد، واتفاقية جديدة، خاصة إذا تأملنا في صورته، وطرق تعبيره، والكثير من تصريحاته الأخيرة، فهو حسب الواقع الذي رأيناه، لا يرضى بأن يكون والياً لمنطقة محدودة، وليس من طبعه التقيُّد بمرجعية كما يتقيّد بقية ولاة الولايات، لكنه يريدها ولاية للتنمُّر والتمرُّد، ضارباً بكل شرعية عرض الحائط،علماً بأنه قلد المسؤولية في تداولٍ سلمي، ولم يكن السلاح والعتاد الحربي، هو الذي به أتى إلى سدة الحكم في تلك الولاية. ومن المعروف عرفاً والمشروط شرطاً، أن كل ولايات السودان يحكمها والٍ منتخب، يدور في فلك السلطة الاتحادية، يخضع لسلطانها، ويأتمر بأمرها في حدود الدستور والقانون، كما أن للمجلس التشريعي الولائي سلطة طرح صوت الثقة في الوالي بمنهج معين، ولكن كل ذلك أسقطه والي النيل الأزرق، باعتبار أنه جون قرنق الجديد في حقبة الجمهورية الثانية، والأمر المستغرب بأن الرجل قد أصبح غريب الأطوار، غريب المزاج، اعتدى على سلطته وعلى شعبه، بالرغم من نيله تلك السلطة عن طريق الانتخاب، ولا يفعل مثل ما فعله هذا الرجل إلا إذا كان ناكراً للنعمة، ومن ينكرها لاشك سيكون شقياً في الحال والمآل، ولقد حدث ذلك مصداقاً لما قاله العارفون من أهلنا الصوفية:- «قلت لنفسي استعدي بتوبة * ولكن شقي الحظ لا يتحاجج» فمالك عقار شقيٌُّ لا أرى له سعادة أبداً بعد ذلك العزّ الذي مرّغه بنفسه في التراب.