صاح هذي قبورنا فأين *** القبور من عهد عاد خفف الوطء لا أرى أديم الأرض *** إلا من هذه الأجساد وقبيح بنا وإن قدم العهد *** هوان الآباء والأجداد قفزت أبيات أبي العلاء هذه إلى ذهني وأنا أستمع لسرد مأساوي ومبكٍ من صديق صدوق خلوق من أبناء الدمازين المهاجرين فى إحدى دول الغرب بادرني بسؤال. «هل لديك قريب مقبور بمقبرة الدمازين القديمة فأجبته بنعم أبي وأخي وأختي والعديد من أفراد عائلتي الممتدة والكثير من الأعزاء لماذا السؤال؟ فحكى لي بأسى عما يدور في هذه المقبرة وأنها الآن تسطح وتساوى بالبلدوزرات وقطعت أشجارها وحرقت الأنقاض على أجساد الموتى ونصب في أوسطها حجر أساس لمنازل معاشيي الشرطة كما شيد مكتب لهم في المقبرة» بعد سرد الصديق الذى هز دواخلي بعنف بدأت حملة اتصالات بأعيان مدينة الدمازين وشبابها الذين أكدوا الرواية بأكملها وأضافوا أن شاهد عيان أكد أن الجرافات خلّفت الكثير من الرفات والعظام البشرية التي أخذت ودفنت في مكان مجهول. ولعلم القارئ الكريم أن هذه المقبرة التي بدأ الدفن بها منذ نشأة مدينة الدمازين وهي مدينة حديثة العهد إذ نشأت بعد الشروع في بناء خزان الروصيرص في مطلع الستينيات أو أواخر الخمسينيات أي لم يكمل لها قرن من الزمان وأن الدفن بهذه المقبرة استمر حتى أواخر التسعينيات حيث بدأت المطالبة تتزايد بإيجاد مقبرة جديدة وقد تشرفت بابتدار الإجراءات بتعاون كبير ودعم غير محدود من السيد مدير الأراضي آنذاك تاج السر حسب الله ومؤازرة نفر كريم من أعيان الدمازين وحي النهضة على وجه الخصوص وتم تخطيط الموقع الحالي شمال المدينة، أي أن هذه المقبرة لم يمض على إغلاقها عقد ونيف فكيف جاز لهم انتهاك حرمتها وحرمة موتاها الذين هم من أفاضل هذه المدينة ممن أرسوا نهضتها وشادوا مرافقها وأحالوا صم حجارتها لعمران وحضارة ... ولكن كما يقال «الما بعرفك ما بعزك» أقول هذا وكلي أسى وأسف من موقف المتنفذين الآن من أبناء المدينة وكيف رضيت ضمائرهم أن يقفوا متفرجين على هذه المحرقة التي التهمت أجساد الموتى من أقاربهم وأعزائهم ومعارفهم.. من فعل هذا ولماذا فجدد البكاء في كل منزل بالمدينة وأجج الأحزان التي خمدت إلى حين عندما جهر خطيب مسجد بالدمازين العتيق بهذا الأمر أتته الإجابة من السيد وزير التخطيط العمراني «نريد إكرام الموتى وتنظيف المقبرة وتسويرها» ولكن يا سيادة الوزير أيهدم قبورهم وتهشيم عظامهم وانتهاك حرمتهم وحرق رفاتهم بنار الانقاض والأشجار. وماذا عن المباني التي شيدت على المقبرة وماذا عن حجر الأساس لمنازل المعاشيين الذين هم أقرب إلى سكن هذه المقبرة فلماذا رضوا بسكناها أحياء الآن. وماذا أخي الوزير عن مقابر أحمد شرفي والبكري وفاروق التي عمرت مئات السنين ولم تمس بسوء. وأتساءل عن موقف منظمة حسن الخاتمة التي أنجزت كثيراً في هذا المجال ألا يمتد أثر أعمالها الخيرة إلى تلك الأصقاع أو ليس لها فرع بالدمازين. ولعل العديد من الناس يجهلون أن أبناء جنوب السودان ومعظهم غادروا الشمال وفي معينهم رفات ذويهم من الموتى في إصرار عنيد يعتقدون أن أهل الشمال قد يفتكون بجثثهم رغم أنه اعتقاد خاطئ وتجريم مسبق وبالضرورة نذكر بمقابر اليهود في أغلى مواقع الخرطوم بشارع الحرية التي ما زالت رغم طول العهد باقية لم تجرؤ سلطة على مسها أو توزيعها فكيف جاز لسلطات ولاية النيل الأزرق أن تستحل توزيع مقبرة لمسلمين ومواطنين لم يمضِ على إغلاقها سنين قليلة.. فورًا باتخاذ إجراءات صارمة. أعتقد أن هذه أزمة ضمير إنساني وهذا فعل مشين لايقره شرع ولا دين ولا خلق ولا قانون وحري بكل مواطن من أبناء هذه المدينة رجلاً كان ام امرأة ان يجأر بالشكوى للمولى عز وجل فى مواجهة من سبب هذه المأساة ويجب ان يهب الجميع من أجل ايقاف هذه المشاهد المؤلمة والعصية على المشاهدة. وأهيب بالجميع للتنادي وتكوين هيئة شعبية للدفاع عن حرمة ساكني هذه المقبرة والمطالبة بالتحقيق فى هذا الأمر ومناقشته في أعلى مستويات السلطة وانزال أقصى عقوبة على فاعليه، لقد صمتنا عند التغول على الميادين العامة فى وسط الأحياء والأسواق وخير نموذج لذلك ميدان المولد بالدمازين الذى مازال جمع من الخيرين يناهضون ضمه للسوق ولكن ان نصمت على تحويل جثامين ذوينا لسكن فهذا ما لن نقبله.. اننى فى الختام استقوي بأصحاب الهمم ويقظى الضمائر واستنهض الجميع للتصدي لهذا الامر الجلل وان يهبوا لمواجهة هذا التعدي السافر سيما أن مساحات الأراضي الشاسعة تتمدد فى شمال المدينة وغربها فلماذا يصرون على سكن المقابر كما يفعل أهل دولة مجاورة نجد لهم العذر فى ضيق الاراضى وشحها. وآمل ان نسمع من السيد والي الولاية ونائبه ابن الدمازين الاخ آدم ابكر ما يكذب مخاوفنا ويهدئ من روعنا ويبدد كل ما سقناه فى هذا المقال من أنفاس حرى جدير بنا وحقيق ان نعبر بها عما حدث وهى دعوة حق اردنا بها الحق الذي هو احق ان يتبع والسلام.