تمرّ هذه الأيام ذكرى رحيل الدكتور عمر نور الدائم، الذي انتقل إلى جوار ربه في الأول من رمضان قبل تسعة أعوام، في حادث سير بطريق الخرطومكوستي. الدكتور عمر نور الدائم سياسي معتدل المزاج، تكسو وجهه دائماً إبتسامة راضية، وبشاشة لا تفارقه. ولِد الراحل عمر نور الدائم النائب الأول لرئيس حزب الأمة في مدينة الدويم، بدأ دراسته الأولية بمدرسة نعيمة، ثم المرحلة الوسطى بمدرسة الأحفاد، درس المرحلة الثانوية بمدرسة حنتوب، ثم جامعة الخرطوم كلية الزراعة. حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة قوتنقن بولاية سكونيا السفلى بألمانيا. حيث تخصص في الآلات الزراعية. عاش عمر نور الدائم حياة سياسية حافلة. وقد عرف باعتدال الرأي الذي يليق بأعلام السياسة السودانية. شغل منصب وزير الزراعة في حكومة السيد الصادق المهدي عام 6691م. بسمته الودودة التي تبين عن طبعه السمح، لم تفارقه حتى رحيله. وأخلاق (شيخ العرب) الأصيل خلقت له صداقات واسعة في مختلف الأحزاب وألوان الطيف السياسي، أول تلك الصداقات هى صداقته بالسيد/الصادق المهدي، كما كان يحتفي بمعشر أعز أصدقائه الدكتور مبارك علي كرار. من زملائه في السنة الأولى والثانية في الجامعة كلية العلوم المرحوم الدكتور مبارك علي كرار (محاضر بكلية الصيدلة)، والدكتور إبراهيم أحمد عمر والدكتور محمد أحمد حسن عبد الجليل والدكتور عبد الحميد سيِّد عمر والسيد/مهلَّب عبد الرحمن علي طه. ترجع علاقة الراحل عمر نور الدائم بحزب الأمة إلى صغره. حيث نشأ في إطار الأنصار وحزب الأمة. حيث جّده الخليفة (نور الدائم) وجدّته (بت العقيد) التي هاجرت مع والدها الذي شارك في حرب الحبشة. يعتبر عمر نور الدائم سياسياً مهمّاً في حقبة الجبهة الوطنية المعارضة لحكم الرئيس جعفر نميري 96 7791م، ذلك إلى جانب الراحل الشريف حسين الهندي والشهيد الدكتور محمد صالح عمر والأستاذ عثمان خالد مضوي المحامي والأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد والأستاذ مهدي إبراهيم والأستاذ إبراهيم السنوسي والدكتور قطبي المهدي والسيد/ أحمد سعد عمر (وزير شئون رئاسة مجلس الوزراء عن الحزب الإتحادي. أخ مسلم سابق). إتسمت حقبة المعارضة السياسية (96 7791م) ضد الرئيس نميري، بنشاط وتعقيدات وتدخلات إقليمية عديدة في السياسة السودانية، تلك الفترة السياسية الخطيرة تفتقد التوثيق الدقيق. حيث لم تزل في إطار التداولات السياسية الشفهية. سوى ما أورد بعضاً منها الأستاذ عثمان خالد مضوي في برنامج (أسماء في حياتنا) الذي بثه تلفزيون السودان. لكن من المتوقع أن يكون الراحل عمر نور الدائم قد كشف الكثير من الأسرار والتفاصيل السياسية لتلك المرحلة في تسجيلاته. حيث سجَّل عمر نور الدائم مذكراته وتجاربه السياسية في (83) شريطاً. تلك الأشرطة تنتظر جهداً لاعدادها لإثراء المكتبة السياسية السودانية، تنتظر تحويلها إلى كتاب بعنوان (مذكرات عمر نور الدائم)، ليأخذ موقعه الى جانب مذكرات أحمد خير ومحمد أحمد محجوب وخضر حمد وعبد الماجد أبو حسبو وعلي عبد الرحمن الضرير، وغيرهم. يتحدث عمر نور الدائم العربية والإنجليزية والألمانية. على الصعيد الإنساني كان الراحل عمر نور الدائم بطيبته وسماحة نفسه، يُحظى الفن بمساحة واسعة في حياته وطبعه الهادئ. حيث كان يحبّ أغاني حسن عطية الذي شاهده لأول مرة في زواج الراحل كمال عبد الله الفاضل المهدي زوج خالته (أميرة إبراهيم هباني)، كما كما أحبَّ عمر نور الدائم أغاني أحمد المصطفى والتاج مصطفى وإبراهيم الكاشف وعثمان الشفيع. ولديه صداقة بالشاعر الملحن المبدع محمد عوض الكريم القرشي وله علاقات شخصية بالكابلي ووردي. ومعجب بحسين شندي وله إعجاب خاص بجمال فرفور عندما يؤدي أغنيات الكاشف. عمر نورالدائم ضحكة بشوشة ومزاج رائق، وسودانية عفويَّة، وعربيّ قحّ لم تغيِّر المدينة شيئاً في طباعه. يخيط ملابسه عند ترزي (الوجيه) في العباسية بأمدرمان، خاصة جلابية (على الله). أما الحلاقة فهي مهمَّة ولده عابدين. عمر نور الدائم هلالابي بالوراثة. كان أبوه هلالابي. لم يمتدّ الأجل بالراحل عمر نور الدائم، ليشهد وصول عدد انقسامات حزب الأمة إلى عشر انقسامات، خمس انقسامات منها من داخل بيت الإمام المهدي. ذلك المزاج المعتدل الذي عُرِف به (شيخ العرب) عمر نورالدائم، دُفِن معه في قبَّة الإمام المهدي، إثر رحيله الفاجع في يوم الأحد 26/10/2003م الموافق 1/رمضان 1424ه. ذلك المزاج المعتدل الذي تميز به عمر نور الدائم تفتقده السياسة السودانية كثيراً، كما تفتقد كتاب (مذكرات عمر نورالدائم) المسجَّل الآن في (38) شريط تسجيل بصوت الراحل. ألا رحمة الله الواسعة عليه.