لم أستغرب البتة أن يصدر عن دانيال كودي قُبيل حلول شهر رمضان المعظَّم تصريحه البغيض الذي أعلن فيه رفضَه للدستور الإسلامي بل وتهديده برفع السلاح إن عمدنا إلى إصدار دستور إسلامي بالرغم من أني لستُ متأكداً مما إذا كان الرجل، عندما هرف بذلك القول، كان في كامل قواه العقلية أم أنه قد تعاطى شيئاً أثّر على ما يصدر عنه من تصرفات وأقوال!! لم أستغرب أن يقول دانيال كودي ذلك لأني ما صدَّقتُ في يوم من الأيام أنه يختلف عن باقان والحلو وعرمان وعقار حتى بعد أن كوَّن مع آخرين تنظيماً سياسياً تبرأ فيه من كل هرطقات الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بما في ذلك اسم (تحرير السودان) ومرجعية (مشروع السودان الجديد) فقد كتبتُ أن قبيلة النوبة مسلمة في غالبها وكان الأولى أن يرأس الحزب المنشق عن حزب عرمان والحلو مسلم مثل تلفون كوكو فكّ الله قيدَه من أسْر دولة الجنوب. المهم، كالعادة، انطلت خدعة دانيال كودي على الجميع وصدَّقوا له بحزب سياسي بعد أن أودع نظاماً أساسياً معدَّلاً لدى مجلس شؤون الأحزاب السياسية.. الآن وقد تراجع عن أقواله وعن نظامه الأساسي يتعيَّن علينا أن نطعن في حزبه لدى مجلس شؤون الأحزاب فإما أن يُفصل الرجل من الحزب باعتباره خارجاً على نظامه الأساسي وإما أن يُحل الحزب ويعتبر تنظيماً متمرداً لا يختلف عن تنظيم عرمان والحلو وعقار فتهديد الرجل بحمل السلاح يعني أنه لا يعتمد التداول السلمي للسلطة أو يتخذ من الديمقراطية وسيلة للعمل السياسي الأمر الذي يقتضي التدخُّل من مجلس شؤون الأحزاب. عندما حاول عرمان تسجيل الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) قدَّمنا طعنا قانونياً لدى مسجل الأحزاب وقُبِل ذلك الطعن بذات الحجج التي سنستخدمها الآن في الإجهاز على حزب كودي أو في فصله من ذلك الحزب. ربما كان الرجل من فرط جهله يظنُّ أن الدستور الإسلامي الذي أعلن عن تمرده عليه شيء آخر غير الشريعة الإسلامية التي لم يجرؤ حتى قرنق على رفض تطبيقها في الشمال حين نُصّ في اتفاقية نيفاشا على أن يحتكم السودان الشمالي إليها... كان ذلك أيام كانت الحركة الشعبية بباقانها وعرمانها وحلوها ومُرّها بين ظهرانينا وحين كان الجنوب يدغمس حياتنا وأبناؤه يسرحون ويمرحون ويبرطعون في عاصمتنا ويسيطرون على بعض أسواقها في قلب الخرطوم فكيف وقد امتلأ السودان الشمالي إسلاماً وأصبح المسلمون يشكلون أكثر من «97%» من مواطنيه؟! ما كان لكودي أن يعترض على الدستور الإسلامي أو الشريعة حتى عندما كان الجنوب يعكِّر صفو حياتنا فكيف وقد أذهب الله عنا الأذى وعافانا تماماً كما عوفيت مدينة الرسول صلى الله عليه سلم وامتلأت إسلاماً بعد أن خرج منها اليهود وأصبحت مهيأة ليشعّ منها نورُ الإسلام إلى أرجاء العالم؟! تصريح كودي يجعله أكثر تطرفاً وعداء من قرنق وباقان وسلفا كير الذين وافقوا على الدستور الإسلامي في الشمال قبل أن يخرجوا من السودان بينما هو يرفض الشريعة ودستورها حتى بعد أن خرج الجنوب وأصبح السودان خالصاً للإسلام!! قولوا لي بربِّكم كيف هي وضعية هذا الدانيال الآن وقد أعلن تمرده على الدستور الإسلامي وأنه سيحمل السلاح؟! ما هو الفرق بينه وبين الحلو وعقار وعرمان؟! ثم ألا يعلم هذا الرجل أن السودان لا يزال محكوماً بالشريعة وأنها ظلت حاكمة منذ أن أعلنها الرئيس نميري في سبتمبر «1983م» حتى ولو كانت بعض نصوص دستورها مشوبة بشيء من الضعف وتطبيقها بكثير من العوار؟! صحيح أن «المؤمن صديق» لكن كثيراً من الناس لا يعلم أن ذلك يقتصر على المسلمين سيما وأن الحرب خدعة فكودي وأمثالُه ينبغي أن يتم التعامل معهم بكثير من الحيطة والحذر بالنظر إلى سيرتهم المترعة بالتمرُّد والتآمُر فقد كان الرجل جزءاً من الجيش الشعبي الذي فعل ولا يزال ببلادنا الأفاعيل والحرب خدعة فمن تراه يخادع غير أمثال هؤلاء الذين يغيِّرون ولاءاتهم وقناعاتهم بأسهل وأيسر مما يبدِّلون ملابسهم فقد قال عمر بن الخطاب متحدِّثاً عن نفسه (لستُ بالخب ولا الخب يخدعني) أي لست بالمخادِع ولا المخادِع يخدعني وتلك أهم صفات القائد التي لخَّصها المغيرة بن شعبة وهو يُجيب سائله عن صفة عمر بقوله: (كان له عقل يمنعُه من أن يُخدَع وورع يمنعُه من أن يَخدَع). إن بلادنا مليئة بكثير من القنابل الموقوتة والخلايا النائمة فهل تعي أجهزة الأمن ما يُراد لنا وهل تُحيط بأصحاب الولاءات المزدوجة الذين يجوسون خلال الديار في انتظار لحظة الصفر؟! السؤال موجَّه كذلك إلى من لا يزالون يتحدَّثون عن منح الحريات الأربع حتى بعد احتلال هجليج وبعد أن تكشَّف لنا ما يُضمره باقان وأتباعُه المتربِّصون ممَّن لا يزالون يحلمون بالسودان الجديد؟!