لم يكن مستبعدًا أن تنهار المفاوضات الجارية مع وفد الجنوب فى أديس أبابا، أو يصار الى تعليقها أو انتهاء الجولة دون احراز تقدم يذكر، أو الى غيرها من الحيل والتكتيكات التى تعملها الدول الكبرى التى تقف من خلف الدولة الوليدة وما تريده من هكذا مباحثات !. ولم يكن عصيًا أن تجد هذه الأطراف الماكرة أى حيلة أو سبيل لنسف مخرجاتها فى اللحظة الأخيرة بأن يقوم جنوب السودان بالصاق اتهام جديد للسودان بقصف أراضيه، والسؤال هنا من الذى يسعى إلى انحراف عملية المفاوضات المباشرة والهشة التي استؤنفت مؤخراً بين البلدين عن مسارها، وحمل دولة جنوب السودان الى الغاء المباحثات المباشرة مع الخرطوم !. من المستفيد مما يقول به فيليب أقوير، المتحدث باسم جيش جنوب السودان لوكالة »فرانس برس« حصلت عمليات قصف صباح »الجمعة« على مكان يسمى روبكر في ولاية شمال بحر الغزال »مضيفًا« وقد تنجم عن ذلك عواقب وخيمة لأن نية السودان هي على ما يبدو قصفنا ووقف المفاوضات« !.بل تابع أن «المرة الأخيرة التي أرادوا وقف المفاوضات كانت في أديس أبابا »العاصمة الإثيوبية مقر الاتحاد الإفريقي«، حيث عمدوا إلى قصفنا، وكان ذلك في 26 مارس الماضى. ومعروف أن العلاقة بين الدولتين يشوبها التوتر منذ هجوم الجيش الشعبى على ولايتى النيل الأزرق وجنوب كردفان وما لحق بهما من خراب ودمار، ومن بعدها احتلال دولة جنوب السودان لهجليج فى أبريل 2012م، وتعليق العديد من القضايا والملفات العالقة بين البلدين، مثل قضية أبيي وترسيم الحدود !.. حيث أدت المعارك إلى تصعيد جديد للعنف بين جوباوالخرطوم وحمل على التخوف من اندلاع حرب جديدة شاملة مفتوحة بين الطرفين، لم يشفع لها لقاء الرئيسين عمر البشير وسلفا كير في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على هامش القمة الإفريقية من أيام مؤخراً، حيث أبدى كل منهما رغبته في إحلال تسوية سلمية بين البلدين، ولم يجد تفاؤل بعض القادة والمراقبين من أن تستمر المباحثات وتفضي الى النهايات المرجوة، لأن هذه الأطراف تنظر الى قرب انتهاء الفترة التى حددها مجلس الأمن الدولي في 2 أغسطس المقبل، والاتحاد الأوربي رمى بثقله في قضية تأمين مطار جوبا وإحكام الرقابة الأمنية على حدودنا مع الجنوب بأرتال من الأجهزة والقوات والخبراء لمرحلة جديدة يعدون لها تحمل من النذر ما تحمل، ولعلها تريد الاستفادة من ثورة مزعومة بالسودان ينتظرها هؤلاء لإحداث الفوضى الخلاقة واكمال مسلسل تمزيق البلاد!.. ان اعلان دولة جنوب السودان ايقاف التفاوض المباشر مع وفد الحكومة باديس ابابا نهائيًا احتجاجًا على ما سماه قصف عدد من المناطق بولاية شمال بحر الغزال، كان متوقعًا، وذكلك تسليم وفد جوبا الوساطة الافريقية بمنطقة بحر دار الاثيوبية امس الأول شكوى رسمية بذلك، لتدخل الوساطة في اجتماع عاجل لمناقشة الشكوى، هذا الأمر يحمل من الدلالات والمؤشرات للاعاقة والهروب ما يحمل، وان حدث ذلك بالفعل فهو ليس بالسبب الكافي لوقف التفاوض اذا ما تابعنا التصريحات الصادرة عن قيادة الحركة الشعبية الأخيرة ووجود الحركات المتمردة المسلحة الدارفورية بأراضيها وما تثيره حكومة الجنوب من فتن وتغذية للخلافات بين الرزيقات والمسيرية بجنوب كردفان !. وأن وفد السودان المفاوض فند ادعاءات الجنوب بتنفيذ قصف داخل حدود دولته، واكد ان القصف تم داخل الأراضي السودانية ضد قوات حركة العدل والمساواة التي تحركت من الجنوب تاركة دارفور وقضيتها الأساس، واعتبر السودان تعليق المفاوضات المباشرة امرًا خاصاً بجوبا له حيثياته ومعلوم الجهات التى تقف وراءه وما يهدف اليه من تضليل !. هذه الجلبة لا تبرر ولا تقنع أى متابع لما يقول به الناطق الرسمي باسم الوفد المفاوض لدولة الجنوب عاطف كير في تصريحاته ان »دولة الجنوب قررت عدم الانخراط في اي اجتماعات مباشرة مع وفد الخرطوم الا بحضور الوساطة الافريقية، بحجة قيام الخرطوم بقصف لعدد من المناطق بولاية شمال بحر الغزال واضاف »بعد اليوم لن نجلس في تفاوض مباشر الا بوجود طرف ثالث«، واكد ان الوفد تقدم بشكوى مكتوبة للوساطة الافريقية حاملة لتطورات الاحداث وما تم من قصف، واشار الى تباعد المواقف داخل الاجتماعات المباشرة التي تمت سابقًا، وقال حتى الآن لم يتم التوصل لنقاط تفاهم حول كل الملفات التي تم تناولها الى ذلك قال مسؤول في الوساطة الافريقية ل »الصحافة« ان الوساطة ستناقش شكوى دولة الجنوب وستجلس مع الطرف الآخر للمزيد من الاستقصاء وستبلغ جوبا اليوم السبت بردها !. ثم أردف الجنوب زعمه بطلب تكوين لجنة تحقيق !!!، أما تحقيق فى الهجوم على هجليج فلا!! ولنا أن نتصور ما يمكن أن تسفر عنه هذه اللجنة وما ستقود اليه من تطورات لاحقة وفتن!. تريد الحركة الشعبية أن تظل قواتنا مجنحة أمام اعتداءات حركات دارفور التى عجزت عن ادارة معركتها هناك، كما فشلت فى الانضمام لركب السلام، تريد لنا أن نمكنها من الحركة من دولة الجنوب واختراق الأراضي السودانية، رغم علم الوسيط الإفريقي ثامبوامبيكي ورئيس وفد تفاوض الجنوب باقان اموم بتحركات حركة العدل والمساواة من داخل الجنوب، لقد احسنت قواتنا المسلحة فى التعامل معهم، وستظل تقصفهم وتصدهم متى ما دخلوا اراضينا، »وهذا ماتم بالفعل« حتى وان كان ذلك مبررًا لوقف التفاوض مع الخرطوم واستمرار الوضع القائم ! . لا يوجد فى الشمال الدولة أو النظام الحاكم من يعمل على اعاقة التفاوض مع الجنوب أو نسفه، وليس من مصلحة نجنيها من هكذا اجراء، ولكن الأطراف الخارجية التى تمسك بتلابيب عربة القيادة والسيطرة داخل الجنوب تحديدًا أمريكا، ومن بيدها الإمرة من الأوربيين هى من ترسم الطريق للمفاوضات متى تبدأ وأين تتوقف وبماذا تخرج، وهكذا ندور فى حلقة مفرغة يستمر طحينها ولا تتجاوز فى نتائجها سوى وقف العدائيات والحريات الأربع شكلاً لا مضمونًا، أما القضية الأساس فى اكمال مطلوبات الملف الأمني فلا حل ولا نهايات وستبقى ترواح مكانها !. وأن قرار سلفا كير بإعادة ضخ النفط عبر الشمال هو السبب الرئيس فيما حدث وسيظل التشاكس داخل الصف الجنوبي وقياداته قائمًا حتى الأجل المضروب، ارضاءً لمن بيدهم مصير التفاوض بأديس أبابا، بقي علينا أن نسأل مفاوضنا فيم التفاؤل والى متى يستمر التفاوض مع فريق يجيد كسب النقاط والإفادة من عامل الزمن دون أن نحقق غايتنا، ترى متى نتعظ ولا نقدم على جولة أخرى دون ضمانات أو نهايات نرجوها!!؟.