كاتب وصحفي سوداني يقول الحق سبحانه وتعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين»، وهذا النص القرآني آية جامعة للجمال والإحكام من كل النواحي أتيتها، فهي بدأت بتذكير الإنسان الجهول الظلوم بأن الله هو خالقه الذي منه مبتدأ حياته، ومعرفة المبتدأ لا تقل أهمية عند الإنسان عن معرفة المصير، وتمضي الآية وتقول إن في الوجود مخلوقات أخرى مأمورة بالعبادة كما الإنسان، تعبد الله طوعاً أو كرهاً، إذا تنكب الإنسان طريق التوحيد، والله غني عن الجن والإنس، ولكن الله سبحانه وتعالى يذكر الإنسان بذلك حتى لا يطغى، رحمة به وتحناناً عليه، وهو الذي خلقه الله بيده. والله سبحانه وتعالى لم يترك الناس هملاً يعبدون الله على أي نحو من الأنحاء شاءوا، وعلى أي طريقة أرادوا بل نصحهم من أول نزولهم إلى الأرض «قلنا اهبطوا منها جميعًا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» و«زّين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث» فكيف لإنسان قال عنه خالقه «حملته أمه وهناً على وهن» و«ظلوم جهول» وأنه «خلق هلوعا. إذا مسه الخير منوعا. وإذا مسه الشر جزوعا» و«إن الإنسان ليطغى» وغيرها من الصفات التي وصف القرآن بها الإنسان. وحتى يقوى الإنسان على تحقيق العبودية التي يريدها الله منه؛ كان عليه إخضاع قواه الثلاث التي يكون عليها الفعل الإنساني وتطويعها لأمر الله تعالى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: « قوى الإنسان ثلاث هي: قوة العقل وقوة الغضب وقوة الشهوة. فأعلاها القوة العقلية التي يختص بها الإنسان دون سائر الدواب وتشاركه فيها الملائكة كما قال أبو بكر بن عبد العزيز من أصحابنا وغيره: خلق للملائكة عقول بلا شهوة وخلق للبهائم شهوة بلا عقل وخلق للإنسان عقل وشهوة فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله فالبهائم خير منه. ثم القوة الغضبية التي فيها دفع المضرة، ثم القوة الشهوية التي فيها جلب المنفعة».