تفننت كل الحكومات الوطنية منذ الإستقلال في دفع المواطن السوداني للهجرة خارج البلد بحثًا عن وضع أفضل، وبيئة أصلح لتكوين أسرته وتربية وتعليم أبنائه وتحقيق طموحاته الشخصية المرتبطة بحاجاته الأساسية من مسكن، تعليم، وصحة... إلخ. ولكن رغم ذلك لم تكن الهجرة هدفًا أساسيًا لكثير من قطاعات الشعب السوداني قبل ثلاثة عقود من الزمان، حيث كان من الممكن والسهل تحقيق الكثير من الطموحات الشخصية والأهداف الحياتية داخل البلد، وبالقليل من الإجتهاد علاوة على بساطة الحياة نفسها خلال تلك الحقبة الزمنية، فلا يكاد يخلو بيت حتى داخل العاصمة من برج لتربية الحمام والدجاج، وأيضًا القليل من الماعز والضأن لزوم الاستهلاك الداخلي بالمنزل، ولكن تغير الظروف الاقتصادية، وأيضًا نمط الحياة واتجاه المجتمع ليصبح مجتمعًا إستهلاكيًا فقط وفوق ذلك معدلات التغيير الاقتصادية الخارجية التي قادت الاقتصاد الداخلي الهش أصلاً، إلى مراحل متدهورة ومتصدعة. هذا في إطار المقاطعات الاقتصادية السياسية من الغرب التي تحكم قبضتها على مداخل ومخارج أنفاس الاقتصاد السوداني، كل هذا تضاف إليه الأخطاء الإدارية الكبيرة التي ما خلت أية حكومة وطنية منها، وإن كان أبرزها الهجرة من الريف للمدن والعواصم بسبب إنعدام التنمية وتركيز الخدمات من صحة وتعليم وصناعة داخل العاصمة، وبالتالي تدهور مهنتي الزراعة وتربية الحيوان وتحول الغالبية إلى مهن هامشية أو مجموعات من العطالة. هذه الأسباب مجتمعة جعلت من السودان بلدًا طاردًا لكوادره المؤهلة والمدربة أكاديمية كانت أو مهنية، وأصبح التفكير قبل التخرج في البحث عن أقرب السبل للهجرة والعمل بالخارج لسنوات قد تمتد قليلاً، لكن يعود بعدها المغترب ليسكن في الرياض والطائف والمهندسين أو أضعف الإيمان الصحافة والثورات ويستقر نهائيًا في وطنه. ولكننا حاليًا نعيش مرحلة هجرة الجواميس، إذ أنها تقطع المسافات الطوال وتتحمل من أهوال الرحلة الكثير من العنت والمخاطر بحثًا عن الماء والكلأ كل عام ثم تعود على نفس الطريق منتصف العام لتستقر في موقعها الأول في رحلة أمزونية قاتلة، حاليًا الكثير من الأسر السودانية التي طالت غربتها بطول رحلة تربية وتعليم الأبناء وبناء البيت... إلخ. عادت للعيش في نفس المهاجر مرافقة لأبنائها الذين تعاقدوا للعمل خارج السودان. فهي هجرة الجواميس بكل ما فيها من مشاهد وأهوال ومخاطر، أحبتي، إذًا متى يطيب لنا المرعى في بلادنا، ومتى ننعم براحة البال في ديارنا بين أهلينا، ومتى تنتهي رحلة الجواميس هذه؟ ستظل هجرة الجواميس مستمرة ومتوارثة جيلاً عن جيل طالما أننا نقبل الجلوس والتفاوض مع عملاء الغرب، وفي ذلك إعتراف بكيانهم وتأسيس لجنوب جديد يعبث به عرمان وعقار والحلو، وها هي نيفاشا(2) تطلّ علينا، وغدًا نحتفل بها في حفل مهيب. وغدًا سينبري نفر منا ليقنعوا الشعب السوداني أن نيفاشا (2) هي عبقرية لن يفهمها العالم أجمعه إلا بعد قرون، وأن باطن أسطرها وبنودها هو النعيم الدائم ، ويجب علينا أن نحمد رب العالمين أن خلقهم ليأتونا بنيفاشتهم الأولى والثانية- نعم أنه لا يحمد على مكروه سواه، والحمد لله رب العالمين. كسرتين: الأولى.. كسرة دكتور عبدالماجد-الجنوبيين البي جاي ديل يا جماعة قاعدين يتوصلوا بي بصات الوالي المدعومة وقاعدين يبيعوا السجائر في شارع (51) على عينك يا تاجر وبعدين الواطه ذاته حاره.. دايرين حل. الثانية.. قالوا عرمان راجع مامشكلة- لكن أي زول يرضى يسكن جار عرمان، والا يدخل بيتو والا يسلم عليه منو نتبرا «سهل الهوان علينا».