كان وزير داخلية السودان في عهد من العهود «وزي ما اتفقنا المرة الفاتت ما تسألوني في ياتو عهد، وزير داخلية سابق وخلاص»، كان الوزير يقود عربته بنفسه بشارع العرضة، وبينما هو كذلك فإذا بصبيين يافعين، يدفعان على حافة الشارع «ركشة معطلة»، وفي رواية أخري «كارو» وهي الأرجح، عند محطة ود البشير...اقترب السيد الوزير منهما وهو يقول بصوت عال وحروف «مفخمة» جدًا: إيه الفوضى البتعملو فيها دي ..!!، دي شنو العشوائية دي..!! قالو بعملوها كدي؟؟؟!! إنتو قائلين البلد دي هاملة ساكت ما فيها حكومة..!!؟؟؟ أحد الشباب مد يده لتمرير الوزير الذي لم يكن يعرفه: مالك يا عمك في شنو ما هو دا الشارع واسع ماتمش ...استشاط السيد الوزير غضبًا ورفع صوته بحدة أكثر حتى نال كل حرف نَطَقَهُ قسطًا وافرًا من التفخيم وهو يردد عبارة ياعمك باستنكار: يا عمك..!!!؟؟؟ عمى يقدِّدْ عيونك، الليلة بوريكم أنا منو، قال عمك قال ....الليلة النشوف قلة الأدب دي حدها وين... يقول الراوي: غارت عيون السيد الوزير من شدة الغضب، واحمر الحدق واصبح «البُصاق» يتطاير من فيه مع سرعة الكلام، والشرر من عينيه الواسعتين وهو يهاتف جهة ما لم تكن معلومة وقتها للراوي: اسمعو، تعالو عندي بالخطوة السريعة في محطة ود البشير وهو يتوعد الصبيّيْن بالويل والثبور: عشان اوريكم أنا منو..!! الليلة بتعرفو حاجة.!!... بعد قليل قامت القيامة تمامًا، الوزارة كلها كانت حضورًا في ود البشير بعد أن استنفرها السيد الوزير، والمشهد كان عظيمًا فما ترى إلا الرتب الكبيرة وهي تحيي السيد الوزير وسط الدهشة والذهول والتوق الشديد لمعرفة الأمر الجلل الذي دفع الوزير لاستنفار كل وزارته وفرقائها ولواءاتها وعمدائها الى مكان الحادث ...المهم الجميع ووسط دهشة الكل، وترقب المواطنين الذين تجمعوا أيضًا هناك، أحاطوا بالسيد الوزير لاستطلاع الأمر، وقد تفرقت بهم الظنون والأوهام وأخذت بتلابيبهم من حيث لا يعلمون، البعض ظن أن جيشًا أجنبيًا غزا البلاد، والبعض الآخر بدا له الأمر أن السيد الوزير وضع يده على عناصر «محاولة تخريبية» والبعض خامر خياله أن الوزير وضع يده على أكبر شبكات التهريب أو المخدرات ... وسط هذه التكهنات الخطيرة اتجه الوزير نحو جنرالاته موجهًا: اسمعوا استلمو ديل واعملوا ليهم مخالفة مرورية!! لم يصدق أركان حرب الوزير وجنرالاته ما سمعوه أو أن عقولهم الكبيرة لم تستوعب ماسمعوا من تعليمات «قزمه» وهم يتساءلون عن النبأ العظيم : قلتا مخالفة مرورية سيادتك...!!! قلتا مخالفة مرورية لي بتاعين الركشة دي ياسيادتك..!!!!.. أيوة .. هكذا أجاب الوزير جنرالاته بحروف «مفخمة» جدًا ولم يزد...