سببان جعلاني أُعيد نشر المقال الرائع الذي خطّه عبد المحمود الكرنكي في «ألوان»: أولهما حديثه عن ذلك الثائر الليبي المجاهد بلحاج الذي قضى سبع سنوات في سجون القذافي ثم رأيناه بعد أن حرَّره الثوار يقود جحافلهم لتحرير طرابلس واحتلال باب العزيزية حصن القذافي الحصين، عندما رأيتُ بلحاج وهو يتحدث عبر القنوات الفضائية بلغة رصينة وثبات ورجولة ينضح بها وجهُه المدهش اطمأننت لمستقبل الثورة الليبية وسترَون إن شاء الله ما يصير إليه بلحاج إذا لم يتآمر عليه الغرب. السبب الثاني هو حديث الكرنكي عما قبضه الساسة السودانيون خلال حكم القذافي مما أسأل الله أن تفضحه وثائق ويكيليكس.. هل نسيتم الرسائل المتبادَلة بين عائلة القذافي ومريم الصادق المهدي؟.. إلى مقال الكرنكي: كم قبض السياسيون السودانيون من أموال القذافي؟ بعد أن تمّ تحرير طرابلس، كشفت الوثائق التي تمّ العثور عليها في مكاتب الأجهزة الأمنية الليبية، عمق التحالف الاستخباري ضد الإسلاميين، بين الديكتاتور الهارب معمر القذافي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية. ومن ضمن ما كشفته الوثائق عملية نظمتها «CIA» «المخابرات الأمريكية» و «MI6» «إم. آى. سكس» «المخابرات البريطانية». حيث اختطفت المخابرات الأمريكيّة والبريطانية المعارض الليبيّ «عبد الحكيم الخويلدي بلحاج» في عام 2004م في العاصمة التايلاندية «بانكوك». وقامت بتعذيبه، ثم طارت به إلى طرابلس وسلّمته إلى الرئيس معمر القذافي الذي قام بإيداعه في «سجن أبو سليم» الرهيب، حيث قضى «عبد الحكيم بلحاج» سبع سنوات تحت أقسى أنواع التعذيب، وذلك حتىّ تمّ تحريره من السجن في مارس الماضي. عندما اختطفت المخابرات الأمريكية والمخابرات البريطانية عبد الحميد بلحاج في «بانكوك» اختطفت معه في نفس العملية الاستخباراتية زوجته التي كانت تحمل جنيناً في أحشائها. «عبد الحميد بلحاج» اليوم هو رئيس المجلس العسكري في طرابلس التابع للمجلس الوطني الانتقالي الليبي. عبد الحميد بلحاج قاد عملية تحرير طرابلس. ثم قاد عملية اقتحام «باب العزيزية» الحصن الحصين للديكتاتور الدموي الهارب. لكن عندما دخل الأسد المنتصر «الفاتح» عبد الحكيم بلحاج باب العزيزية وجد الجرذ الجبان معمر القذافي قد ولىَّ الأدبار وهرب بجلده. عملية اختطاف عبد الحكيم بلحاج من «بانكوك» وشحنه في طائرة خاصة إلى طرابلس مع زوجته الحامل وتسليمه إلى القذافي وزبانيته، تكشف نفاق وقذارة السياسة الأمريكية والبريطانية، التي تدَّعي أمام العالم لعقود من الزمن عدم تعاملها مع «رمز الشر، الدكتاتور الدمويّ راعي الإرهاب معمر القذافي»، حسب ما كانت تصفه به في العلن. عملية اختطاف عبد الحكيم بلحاج تكشف نفاق وقذارة الديكتاتور الهارب معمر القذافي الذي يدّعي في العلن أن أمريكا وبريطانيا هما قوى إمبريالية نذر حياته لحربها!. كما تكشف عمليَّة اختطاف عبد الحكيم بلحاج دعاية القذافي الرخيصة الجوفاء، عندما ظلّ يطلق اسم «غارات الصليبيين» على العمليات العسكرية الجوية لأمريكا وحلف الناتو لحماية المدنيين الليبيين الذين أباد منهم عشرات الآلاف وهتك أعراض آلاف الحرائر من بنات وطنه من الليبيات العربيات المسلمات الغافلات. هناك العديد من التقارير الموثقة في هذا الشأن في طريقها إلى النشر. وكشفت عمليَّة اختطاف عبد الحكيم بلحاج أن القذافي عميل للصَّليبيين في معركتهم الضارية ضد الإسلاميين الأحرار. معمر القذافي ومنذ انطلاقة ثورة 17/فبراير، قتل ما لا يقل عن أربعين ألف ليبي. وهناك خمسين ألف ليبي مفقود بأسمائهم وشخصياتهم. ولولا غارات «الناتو» لأباد القذافي بدون شك الملايين. ويبلغ تعداد الشعب الليبي سبعة ملايين نسمة، منهم «مليون» حافظ للقرآن الكريم. بعد انطلاق ثورة 17/ فبراير كان القذافي قد توعَّد شعبه قائلاً: «عندما جئت إلى الحكم كان عددكم اثنين مليون. أنتم اليوم سبعة ملايين. وسأعيدكم إلى اثنين مليون كما وجدتكم». لكن أنقذت غارات «الناتو» ملايين الأرواح، وصانت أعراض آلاف الليبيات من الاغتصاب الفردي والجماعي. تلك هي الحقيقة المحزنة. فما كان شعب ليبيا، شعب المناضلين المجاهدين العظماء، شعب عمر المختار والسَّاعدي والسُّويحلي، بنظر القذافي إلا «فئران». هناك عبارة القذافي «الخالدة» التي أطلقها «شِدُّوا الجرذان». كما لم يكن شعب ليبيا بنظر القذافي إلا «مقمِّلين». وذلك بعد أن حكمهم بالحديد والنار والعذاب «42» عاماً. لكن ها هي اليوم وثائق اختطاف عبد الحكيم بلحاج تثبت أن «الزعيم الثوري» المناضل ضد «الإمبريالية» الأمريكية والبريطانية الصليبية، ليس غير عميل للاستخبارات الصليبية في معركتها الضارية ضد الإسلام والحركات الإسلامية الحديثة الصاعدة إلى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. هناك درس آخر من عملية اختطاف عبد الحكيم بلحاج، هو ذلك المصير السيئ الذي ينتظر العملاء السرّيين المتعاونين مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، إذ عندما تهب أعاصير الثورات الجماهيرية وتنتفض براكينها ضد العملاء، وتحيط بهم نيران الغضب الشعبي، لا تسعى واشنطون أو لندن إلى إنقاذهم، بل تتنصَّل منهم، وتفّر منهم فرارها من المجذومين، وتتركهم لمصيرهم المحتوم، بل تفضحهم وتصبّ عليهم المزيد من الزيت ليزداد احتراقهم. فما عملاء تلك الاستخبارات بنظر واشنطون ولندن غير مناديل ورق، عندما تفرغ من استخدامها ترمي بها في المكان اللائق بها... سلَّة نفايات ... دورة مياه ... أو مزبلة تاريخ. وما انقلاب واشنطون ولندن ضد عملائهما في لحظة انكسارهم، سوى سعي لكسب موقع في العهد الجديد المنتصر. أما الدرس الأخير من وثائق اختطاف عبد الحكيم بلحاج، فهو أن الشعب السوداني تحديداً، ينتظر كشف بقية الوثائق الأخرى التي توضح كم أنفق القذافي من أموال ليصبح لاعباً رئيساً في السياسة السودانية. كم قبض السيّاسيّون السودانيون والمتمردون السّودانيون من أموال القذافي؟. الشعب السوداني في انتظار وثائق «ويكيليكس» القذافية، التي هي اليوم مبعثرة في العراء الليبي في طرابلس. يقول «لينين» إن الذهب سيصبح عند انتصار الاشتراكية أرخص من الحمَّامات العامة في المدن الكبرى. «طبعاً ذلك لم يحدث». كذلك هي اليوم رخيصة في العراء وثائق القذافي «الذهبية» التي تفضح عمالته السريَّة للغرب وعمالة عملائه المنتشرين في السياسة السودانية، من الخرطوم إلى جوبا إلى غرب السودان. اسمه بالكامل «معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي». أبو منيار «بحرف النون». كم قبض السياسيون السودانيون شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً من أموال «أبو مليار» القذافي. «بحرف اللام».. كم قبضوا؟... تلمَّسوا جيوبهم... وقفوهم إنهم مسؤولون. يشهد التاريخ أن المفكر والسياسي الراحل بابكر كرار هو السياسي السوداني الوحيد، الذي مزق «شيك» القذافي، أمام الملأ في العاصمة طرابلس. ثم ذهب إلى المطار وصعد سلَّم الطائرة، ليغادر ليبيا دون رجعة. عبد المحمود نور الدائم الكرنكي