حتى الآن لم يصدر نفي رسمي من الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية حول ما ورد في وثائق الموقع الإلكتروني «ويكليكس» في البرقية الصادرة من السفارة الأمريكية بالخرطوم في 29/7/2008م للخارجية الأمريكية في واشنطون، خلال لقائه بالقائم بالأعمال الأمريكي البرتو فرنانديز، وقوله « إذا مضت الأمور بصورة جيدة مع الولاياتالمتحدة، قد تساعدوننا في تسهيل الأمور مع إسرائيل الحليف الأقرب لكم في المنطقة». ورغم إثارة بعض الشكوك حول وثائق الموقع الأشهر في العالم الذي أزاح غطاء السرية عن وثائق الخارجية الأمريكية، ووصف رئيس دولة مثل الهند لصاحبه بالمجنون والمخبول، إلا أن محتوى البرقية مثير للقلق، ولا يوجد ما يبرره خاصة أن السياسة الخارجية السودانية والمواقف المعلنة والصريحة للخرطوم تتناقض تماماً مع أي نيّة في التطبيع مع العدو الصهيوني، وداعمة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولا مصلحة للسودان أبداً في إقامة مثل هذه العلاقات وتطبيعها مع إسرائيل، والرضى بتسوية العلاقة المأزومة مع واشنطون بأي ثمن. ولا يوجد حتى الآن ما يمكن اعتماده تراجعاً عن ثابت الموقف السوداني من إسرائيل، أو تغيّر في إتجاهات السياسة السودانية بغية الحصول على صك غفران أمريكي أو صهيوني، ونعلم ما هو الثمن الذي دفعه السودان مقابل موقفه القوي والراسخ من حق الشعب الفلسطيني والدفاع عنه، وما واجهه من مؤامرات ودسائس كانت إسرائيل تقف وراءها وتسعى للنيل منه وإضعافه وانهياره، وما واجهه السودان خلال عقدين من الزمان ويزيد هو الكلفة الباهظة لهذا الموقف. فإذا كانت وثيقة ويكليكس صحيحة ومضمون برقية فرنانديز هو بالفعل ما قاله الدكتور مصطفى عثمان فإنه يتوجّب عليه الحديث إن كان سياق ما قاله غير ذلك وينفى ما جاء على لسانه وذلك المظنون فيه والمرجو منه، أو التقدُّم باستقاله فوراً، لأن ما جاء على لسانه ليس هو موقف السودان وشعبه، ويكفينا ما وجدناه من مواقف مايعة وتفريط في بلادنا وتوجهاتها. كما أنه من الصحيح أن بعض المسؤولين عندنا، يصيبهم نوع غريب من سوء التقدير وحسن الظن في الأجانب فيتبرعون لهم بما لديهم من آراء خاصة، لا يفرِّقون فيها بين سياسة الدولة المعلنة والآراء الشخصية الناجمة من فهم خاص أو خاطرة لا علاقة لها بالدولة ومواقفها، بينما لا يفرق الأجانب وخاصة الدبلوماسيون الذين يأخذون كل كلمة وحرف مأخذ الجد طبقاً لمهامهم التجسسية، ولا مصلحة لهم في نقل غير ما يسمعون... وتبقى المصيبة في أحاديث المسؤولين لدينا الملقاة على عواهنها، لا يكترث أصحابها في غالب الأحيان لقدرتها التدميرية وتشويشها على رسم السياسات وعلى الرأي العام. ودائماً ما ترسل اللقاءات التي يتبرع فيها مسؤولينا بما عندهم، الإشارات الخاطئة للأطراف الدولية الأخرى التي يلتقون بممثليها وسفرائها المقيمين بيننا، ففي الأصل لا يمكن للسودان أن يلهث وراء تحسين علاقاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لا تريد ذلك مهما قدمنا لها من تنازلات، فهي تريد منّا المزيد من الإذعان والانبطاح وإتباعنا بقافلة عملائها في المنطقة والدوس على هويتنا ووجهتنا وابتلاع مواقفنا الأصيلة والمباديء التي عُرفنا بها وعبّرنا عنها بشجاعة وقوة. فما الذي يمكن أن تعطيه لنا أمريكا بكل جبروتها وغطرستها؟ وما الذي ستفعله إسرائيل من أجلنا إن طبّعنا معها علاقتنا ورضينا بها؟؟ ألا يكفي ما حدث مع المطبِّعين في العالم العربي، فقد تهاوت أنظمتهم كما أوراق الخريف اليابسة، ولفظتهم شعوبهم وألقت بهم في مزابل التاريخ. على الدكتور مصطفى عثمان الحديث وتوضيح ما لديه، فإن كان صحيحاً عليه الاعتذار والانصراف على وجه السرعة.. وستظل إسرائيل هي العدو للسودان وكل المسلمين والعرب وأحرار العالم، طال الزمن أم قصر.