يا له من خضم عظيم يموج بكل أصناف البضائع والصنائع والدواب، إنه خضم سوق أم درمان الممتد من صينية الأزهري والجامع الكبير فسوق الخضار واللحم وتتوغل بعده في خليج سوق العدة، وبحور أصناف البضائع والبهارات، وبعده غرباً ورش حديد وحدادة وحدادين وصناعة هياكل سيارات بصورة تقليدية تصخ صخيخاً كما جاء في الآية (فإذا جاءت الصاخة يوم يفرّ المرء من أخيه) والصخيخ هو صوت الحديد الذي يضرب بعضه بعضاً، كما في تلك الورش التي تخرج منها مذعوراً إلى ساحل طويل ممتد على شارع الإسفلت حيث توجد متاجر ومعارض الأثاثات المنزلية، وتجاورها عن شمالها مصانع يتكثف هواؤها برائحة الزيوت والصابون، فتستنشق ما تشاء، وتتقاذفك الأمواج في ذاك الخضم المتصل بمياه غير ضحلة لتعبر إلى السوق الشعبي أم درمان، فمنهم وقوف في ممارسة التجارة بالألوف منهم من يعرض ملابس، ومن يضع أكواماً وأكواماً من الخضار، وصياحٌ ونباحٌ لتجد نفسك على شاطئ المستشفى الصيني بأم درمان، هذه مساحة كبيرة حقاً يشغلها ذاك الخضم، ففي مثل أيام الأعياد هذه يتكشف لك أن هذه المنطقة المذكورة تحتاج إلى جدية الحَجاج وهبّة المعُتصم، فالكل يتساءل كيف تسير حركة البيع والشراء ومرور الزبائن، فأرتال وأرتالٌ من السيارات مصطفه تسير بخطى وئيدة في كل شوارع هذه المساحة الفادحة، يغمغم أصحابها غمغمة متذمرين في هذه المحنة التي فيها مشتبكون وفي دواخلهم يلعنون من فكر وخطط في البحر العريض ووحله وما به من زواحف. فعربات الكارو تجرها الحصين، والحمير تتداخل مع ركشات ومواتر . سوق أم درمان الكبير كما ورد في السيرة خُطط في عهد المهدية وخصص جزء منه لسوق النسوان وتوالت العصور ليصير هذا السوق وما حوله من أسواق في مركز وسط المدينة، بعد أن كان وإلى أواخر الثمانينات في أطرافها، فالواقع اليوم يفرض نفسه لابد من فكفكة سلسلة هذه الأسواق المتصلة التي قد تجعلك في حلمٍ أحياناً لتسأل نفسك هل أنت في العصور الوسطى، حيث لا ترتيب ولا تنظيم والتخطيط والزحام كيوم الزحام. أين نحن من مسايرة ومحاكاة أقوام أنشأوا أسواقاً متخصصة مضاءة ليلاً ونهاراً وبعيدة عن مركز المدينة ليخلو من التقاطعات، فيسهل مرور دورة الحركة بنبضة واحدة. هل وجود كل هذه الأسواق مع بعضها البعض، حضارة أم سوء إدارة. لا بل غفلة من مستقبل يسعى البعض لزيادة البناء والعمارات في هذه المراكز ليزيد الطين بلة، فقد يعتبر أعظم إنجاز في عهد الإنقاذ إذا فكّر وقدّر معتمد أم درمان في فك طلاسم مشكلة هذا الخصم العظيم. نوح الخليفة تعليقنا: يا نوح هل قرأت ديوان د.محمد الواثق ( ام درمان تحتضر)؟؟؟ ماذا لو جمعنا ما قال وما قلت؟؟؟ غداً بإذن الله نرد على رئيس لجنة الزراعة بالبرلمان.