قرأتُ ما كتبه الأخ عادل الباز في الصحافة يوم الأربعاء 8/8/2012 في عموده «في ما أرى» بعنوان حوار مع د. نافع.. وفي أثناء عودتي إلى المنزل تذكرتُه.. وتذكرتُ ما جاء فيه.. فإذا بذهني يطوف ويحلق في أزمان ومسافات.. وأحداث وأشخاص.. ومرت بذهني حقب ومراحل.. واستحضرت مجاهدات.. وتضحيات.. وازدحمت في خاطري أسماء ووجوه.. وأقوال وأفعال.. ومواقف.. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. منهم من قضى نحبه.. ومن منهم من لقي الله شهيدا.. ومنهم من ينتظر.. ومنهم جماعة ما بدلوا تبديلا.. ومنهم جماعات وأفراد بدلوا تبديلا.. ثم عُجتُ إلى الظرف الذي نحن فيه.. وإلى واقع المدافعة الذي شغل الكثيرين من الدعاة والأئمة والعلماء والشباب والنساء.. وإلى ما يقدمون كل يوم من تضحيات ومجاهدات ومصابرات.. ثم ابتسمت.. ونظرت إلى الأخ الجالس بقربي. وقلت في نفسي سبحان الله.. سبحان الله.. ما أعظم حلمك يا رب.. وما أوسع رحمتك. ما أعلمك.. وما أحكمك!! ثم زجرت نفسي.. فانزجرت.. وقمعتها.. فانقمعت.. ونبهتها فانتبهت.. وقلت في نفسي هل تظن أن كتابات عادل الباز ومن سبقه من شبيحة العلمانية و«أبضايات» المؤسسة الأممية الدولارية يؤخرون قيام دولة الشريعة؟! أمن أجل هؤلاء يحوك في صدرك ما حاك؟ ألا تنظر إلى ما قالوا وإلى ما كتبوا؟! هل تجد عنتًا أو مشقة في بيان خطئهم وخطلهم ومجانبتهم للحق؟! إذا كان عادل الباز قد قرر أن ينتحر.. فجنايته على نفسه.. وهو أولى من براقش بالمثل السائر.. لأن براقش لم ينبح قبلها الطاهر ساتي ولا عبد الباقي الظافر ولا يوسف عبد المنان.. ولو أنهم نبحوا وقُتلوا لاستحقت براقش أن تكون مضغة في أفواه العالمين.. ولكن عادل يقرأ.. ويكتب.. وأعجب من رجل يقرأ ويكتب.. ثم يدلج في مهلكة يجد مكتوبًا عند مدخلها بأوضح خط.. الحذر.. الحذر!! وأولى زلات عادل الباز - وهو كثير الزلل، كثير العثرات.. أنه يجعل الرجال مقياسًا للحق.. ولا يجعل الحق مقياسًا للرجال.. فيقول إنه قد اتضح عمق الحرج الذي لازم إجابات د. نافع في لقائه مع ضياء الدين بلال وهو يحاول أن يجد عذراً لحزبه برفضه اتفاقه مع عقار!! والذي يعنيه الأستاذ عادل الباز اتفاقية الحريات الأربع.. ونذكِّر عادل الباز بأن اتفاقية الحريات الأربع سواءً أحس دكتور نافع بحرج أو لم يحس فهي أولاً تحمل في طياتها مخالفات شرعية وهي مع ذلك خطأ سياسي فادح.. وتمثل ثغرة في جدار التماسك الوطني الذي انعقدت عليه آمال أهل السودان بعد إعلان الانفصال والبشريات بتوقف سيل العدائيات الذي كان ينحدر علينا من الجنوب.. والحريات الأربع يا أخ عادل الباز هي حصان طروادة الذي أرادوا أن يدسوا من خلاله مشروع السودان العلماني الجديد. والحريات الأربع هي إعلان لاستمرار الحرب وليست إيذاناً بانتهائها.. ولا أدري لماذا يتجاهل هؤلاء العلمانيون الجدد الأحداث التي تجري تحت سمعهم وبصرهم.. ولا يعيرونها انتباهاً.. ويلتفتون إلى هيئة علماء السودان ومنبر السلام العادل.. ألم يسمع عادل أن مواطني العزوزاب تقدموا بشكوى لأن عصابات الجنوبيين ما زالت تؤرق مضاجعهم وتمارس الاعتداء السافر عليهم..!! ألم تسمع يا عادل الباز أنه وفي أثناء مفاوضات أديس وجلوس الوفدين وجهًا لوجه قامت كتيبة مدججة بالسلاح بالهجوم على بوط داخل أرض السودان وصُدَّت من على مشارفها؟ لقد قلت إن عادل الباز يقرأ ويكتب.. فلعلي أخطأت.. وإلا فكيف فات عليه هذا الأمر ولم يذكره؟! وفي ظل دولة الإنقاذ التي فرغت من مخيلتي مفردات الأوصاف التي تنطبق عليها.. في ظل هذه الإنقاذ لا يعجز رجل لا يقرأ ولا يكتب أن ينشر له مقالاً في الصفحة الأخيرة المتميِّزة في صحيفة تتطلع إلى التميُّز فلا تجد من تنشر له إلا كاتباً غير كاتب وإلا قارئاً غير قارئ.. ونأتي إلى فقه الأخ عادل الباز في موضع الحرب و السلام.. وهو يتهم أهل المنابر بأنهم دعاة حرب ويقول إن الحرب ليست حلاً وإن قضايا البلاد المعقدة لا تحلها الحروب.. ويقول عادل إن البلاد قد دفعت ثمن هذا التهريج السياسي غالياً دمًا ومئات القتلى والمشردين!! إذا لم تستح فقل ما شئت.. ودلس ما شئت.. وإن شئت فاكذب ماشئت!! هؤلاء المئات من القتلى والمشردين.. هل قتلوا على مشارف جوبا وتوريت.. وأين شردوا.. إلا من مساكنهم وقراهم في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟ وهل حدث هذا قبل الانفصال أم بعده؟ هل كان هناك قتل وتشريد في أي شبر من السودان شمال خط حدود 56 قبل الانفصال وقبل قيام دولة الجنوب؟! وما الذي يمنعنا من القتال.. ونحن نقتل ونشرد على يدي فرقتين من فرق الجيش الشعبي لتحرير عادل الباز والطاهر ساتي ويوسف عبد المنان «الظافر ليس داخلاً في التحرير فقد حررنفسه بنفسه» وهما مدججتان بالسلاح ومكونتان مما لا يقل عن عشرة آلاف مقاتل موجودين في أرضنا بطريقة غير شرعية وغير قانونية وغير دستورية إلا إذا كان الانبطاح والخور والوهن أوضاعًا دستورية وقانونية وشرعية.. وأسأل الأخ عادل الباز.. هل دعوتك هذه الصماء البكماء لإيقاف الحرب وإقرار السلام تقوم على أساس أم على غير أساس؟ وهل موقفك هذا من الحرب هو دينك الذي تلقى به الله سبحانه وتعالى يوم يقوم الأشهاد.. أم أن حجتك يوم الموقف العظيم ودفاعك أن تقول «فيما أرى» وأن تقول إن المساومات السياسية وحدها القادرة على صنع الاستقرار في البلاد!! بالله عليكم هل هناك خيبة أكبر من هذه الخيبة؟ المساومات السياسية وحدها؟ أليس عيبًا عليك يا أخ عادل أن تُخرج من فيك مثل هذه العبارة التي استحي أن أصفها بما تستحقه!! المساومات السياسية وحدها؟ فلندع الكلام المنمق وزخرف القول.. ولنأت إلى كتاب الله.. ألا تقرأ في كتاب الله «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ».. ألا تقرأ قوله تعالى «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ».. ألا تتابع معى فتقرأ قوله تعالى بعد ذلك «وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ». هل تعلم أن هذه الأخيرة في الاستسلام وليست في السلم؟ هذه في قولك: المساومات السياسية وحدها.. أنت تحب المساومات السياسية وهو شر لك والله سبحانه يقول «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ». نحن لسنا دعاة حرب يا عادل الباز نحن دعاة سلام.. ولكنه سلام يقوم على ركائز الحقيقة لا على المساومات السياسية وحدها.. سلام يقوم على الحق والعدل وعلى حسن الجوار. ولا يقوم على الابتزاز ولا على التهديد بالعدو الأجنبي.. أسف أخي عادل.. فقد أسهبت في وصف السلام.. وأوصافه مبثوثة في كتاب الله.. وفي أحاديث المصطفى بأفضل مما يمكن أن أبدع أنا في صياغته ألا تقرأ كتاب الله؟ ألا تحفظ نزرًا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أما حكاية «تلك المنابر أجندتها ومصالحها في الحرب وأن الحاكمين يفعلون خيراً إذا أصموا اذانهم عن تهديداتها ونداءاتها وابتزازها للقيادات.. ويسترسل عادل في كلام لا أظنني أكون حانثًا إن ظننت أنه ليس من بنات أفكاره.. اسمعوا: أنهت تلك المنابر مهمتها بنجاح في تشظي البلاد وهي تسدر الآن في غيها لإنهاء أي أمل في العيش بسلام في وطن مستقر وآمن وها هي تصعد من أجندة الحرب وتثير الكراهية وترفض أي حوار ولا تعرف معنى المساومة حقًا يا عادل الباز.. نحن لا نعرف المساومة.. ونشكرك على إقرار الحقيقة فهؤلاء يساومون في دين الله.. وإن مجرد الجلوس مع قطاع الشمال هو مساومة في دين الله لأن ولاءه للحركة الشعبية ولدولة الجنوب فالجلوس معه والحوار مساومة في دين الله. وأبشر يا عادل. ومعك شبيحة العلمانية الجدد.. فقريباً ترون ما تتقطع له نياط قلوبكم.. وصيحوا وأعولوا.. واندبوا.. وهددوا فأنتم لا تخيفون نملة!!