{ تعود بي الذاكرة إلى مرحلة الدراسة الثانوية بمدرسة أم درمان الأهلية الثانوية، والمرحلة الثانوية في عهدنا هي مرحلة تبلور الفكر السياسي لدى الشباب وهي مرحلة الاستقطاب للتيارات السياسية خاصة الإيدولوجية. صراع الاستقطاب في هذه المرحلة يكون محصوراً بين الشيوعيين «الرفاق» والإسلاميين «الكيزان». {طلبة الأهلية الثانوية معظمهم من أبناء أم درمان وبعضهم من المتمردين على مدارسهم في الأقاليم. أم درمان كانت معروفة بأنها ذات ثقل سياسي وتاريخ نضالي مشهود له وهي مقر معظم الأحزاب الكبيرة في السودان وهي موطن معظم جيل الزعماء والسياسيين الكبار الذين قادوا حركة التحرير والاستقلال.. شباب خرج من صلب هؤلاء الزعماء ومن معايشة لصيقة للنشاط السياسي في مدينة هي شعلة الحركة الوطنية لابد أن يكونوا قبلة الاستقطاب ورافدًا أساسيًا للأفكار الإيدلوجية. { كان الزملاء من الشيوعيين «الرفاق» عندما يفشلون في تجنيد كادر من الطلاب أصحاب القدرات المتميزة والشخصية القيادية القوية، يتبعون أسلوب أو سمّه شعار «المغفل النافع» «م. ن.» وهي صفة تُطلق على الشخص الذي لا ينتمي إلى فكرك أو قناعاتك ولكن يمكن استغلاله لخدمة أهدافك دون أن يعرف أنه يفعل ذلك. تعبير المغفل النافع تعبير يستخدمه الرفاق وأصبح ملكًا فكريًا لهم اشتُهروا به حصرياً. { بعد أن وضّحنا باختصار شديد معنى «المغفل النافع» والمالك الفكري لهذه الثقافة، نود أن نوضح للقارئ الكريم كيف ومتى ولماذا استخدمت الحركة الشعبية «وهي معروفة بأنها حركة بدأت سيرتها يسارية صرفة» أسلوب المغفل النافع. { خلال مسيرة الحركة الشعبية منذ تأسيسها عام 1983م حتى ما بعد انفصالها بالجنوب وإلى يومنا هذا كانت تبني سياساتها ونشاطاتها مستخدمة أسلوب المغفل النافع.. بدأت ذلك عندما دخلت جنوب كردفان وأقنعت الأستاذ يوسف كوة وصحبه من أبناء الجبال لينضموا لها ويسيروا في ركبها بهدف الحصول على حقوق شعوبهم ورفع الظلم عنهم ولكن كانوا بالنسبة لهم مغفلين يمكن أن يكونوا نافعين. نفس الأسلوب اتُّبع مع أبناء جنوب النيل الأزرق. { عندما خرجت الحركة الشعبية لتحرير السودان من ثوب الفكر اليساري حزئياً استمرت في استخدام سياسة أو أسلوب «المغفل النافع» وبه تمكنت من ضم الاتحاديين وحزب الأمة والقيادة الشرعية وكثير من القيادات غير المنتمية إلى مسيرتها وتباهت بذلك دولياً بأنها حركة قومية سودانية تريد أن تحرر السودان من حكم الجلابة وأنصاف المهمشين ورفع الظلم عن المظلومين وإسقاط حكومة الإسلاميين المتطرفة التي ترعى الإرهاب.. وهكذا استمر «المغفلون» في دعمها ومساندتها وما اكتشفوا أنهم «مغفلين» إلا عندما ذهبت الحركة الشعبية بزعامة قرنق إلى مفاوضات السلام ولم تصطحبهم معها، وبالرغم من ذلك استمروا في غفلتهم مساندين للحركة الشعبية وداعمين لمشروعها العنصري الاستئصالي «مشروع السودان الجديد» وهم لا يعلمون أنهم «مستغفلين». { بعد توقيع سلام نيفاشا الذي كان المغفل النافع في نظر قيادات الحركة الشعبية هي حكومة الخرطوم، قامت الحركة الشعبية بإقناع وفد التفاوض الحكومي بإدخال المناطق الثلاث عبر برتكولات يتم التوقيع عليها من ضمن اتفاقية السلام وكان ذلك وفاء منهم للمغفلين من قيادات تلك المناطق الذين حاربوا معهم.. وبالرغم من رفض الرئيس القاطع الذي أعلن إلا أن الوفد المفاوض الحكومي وافق على الطلب، ما قلنا ليكم؟؟ { بعد الانفصال وقيام دولة الجنوب تحت حكم الحركة الشعبية ووفاء منها برد الجميل للمغفلين النافعين من أبناء الشمال «ياسر عرمان وعقار ووليد حامد ومنصور خالد وغيرهم كثير» الذين ناصروها خلال مسيرتها، وفاء منها خلفت وراءها ما يسمى «بالحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال» شايف يا عمدة كيف يكون الوفاء؟؟ وتركت لهم 2 فرقة مدرعة «التاسعة والعاشرة» وقدمت الدعم المالي والدعم بالرجال والمعدات والدعم السياسي في المحافل الدولية. { استمرت الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال في استخدام أسلوب «المغفل النافع» وبرع قائدها ياسر عرمان وصحبُه في استقطاب «المغفلين النافعين» ونجحوا في ذلك إلى حد كبير. كان لا بد لهم من استخدام هذا الأسلوب لإحياء مشروع السودان الجديد الذي مات خلال المرحلة الانتقالية وانفصال الجنوب. نجح ياسر عرمان ومالك عقار بدعم من الحركة الشعبية في استقطاب الفصائل المتمردة وبعض الأحزاب واستخدامهم «كمغفلين نافعين» وكونوا بهم فيما بعد تحالف كاودا. كان أكبر مغفل نافع تم استصحابه عبد العزيز الحلو الذي قام بتنفذ خطة ما يسمى بقطاع الشمال القائمة على السيطرة على جنوب كردفان بالقوة بعد تصفية واليها، وبعد السيطرة عليها يتم إعلان دولة السودان الجديد المستقلة والتي منها تنطلق الحركة الشعبية لتحرير بقية السودان. { زيارة ياسر عرمان ومالك عقار لكادقلي والاجتماع مع الوالي في المطار كان ظاهرها إيجاد حل لتمرد عبد العزيز الحلو ولكن باطنها ما كشفته الأيام التالية.. سقط عبد العزيز الحلو بعد أن كانت متاحة له المشاركة في حكم الولاية التي انطلقت التنمية فيها، سقط في فخ «المغفل النافع» الذي أدخله فيه «الثعلب» ياسر عرمان وأصبح اليوم يهيم على وجهه لا يستقر له مقام. بعد شل سيناريو جنوب كردفان تمكن «الثعلب» ياسر عرمان من إقناع مالك عقار بتنفيذ المهمة وبسط له الأمر على أساس أنه الوالي القابض على كل مفاصل الأمر في ولايته وأن ما لديه من قوة عسكرية ستمكِّنه من السيطرة على الولاية وإعلان استقلال ولايته وسيكون الدعم ينتظره من دولة الجنوب والمعارضة والخلايا النائمة في الخرطوم تحت قيادة خائب الرجاء والنطيحة والمتردية وسيسقط بعد ذلك النظام ووقتها سيتمكن قطاع الشمال من تطبيق مشروع السودان الجديد. بالرغم من إعلان مالك عقار أنه لا يؤيد الحرب ولا يوافق عبد العزيز الحلو على ما فعل إلا أنه وقع في فخ «المغفل النافع» وكان الناس تظن أنه لن يفعل كما فعل عبد العزيز فالرجل يملك كل شيء في ولايته ويعيش في رفاهية الحاكم بأمره إلا أنه قام بفعلته الذميمة بليل ولم يكن يظن أن عيون الجيش ترقبه وأن آذان العسس ليس بها صمم.. سقط مالك عقار كما سقط عبد العزيز الحلو فذهب الثعلب في صحبة باقان أموم وتابعه ليحيوا مشروع السودان الجديد وما يسمى بالحركة الشعبية قطاع الشمال عن طرق الأممالمتحدة ومجلس الأمن برعاية أمريكية ودعم واسع وأجندة يسعى الغرب لتنفيذها فكان القرار 2046.. وجاء ياسر عرمان يتأبطه مستعيناً «بمغفل نافع جديد» يدعى ثامبو أمبيكي. كان ياسر عرمان يتمنى أن يكون وفد المفاضات معهم وما يسمى بقطاع الشمال تحت رئاسة أحد مفاوضي نيفاشا ظناً منه أنهم أسهل لاستدراجهم «كمغفل نافع» ولكنه فوجئ بالدكتور كمال عبيد صاحب الحقنة الشهيرة والذي يعرف أساليب الرفاق والمغفل النافع. فأصبح ياسر عرمان يستفز الحكومة والمفاوضين ليخرجوا عن طورهم ليقول للعالم إنهم لا يريدون سلاماً. فهل سينجح أسلوب المغفل النافع مع الدكتور كمال عبيد؟؟ راح نشيف!! إن ما أراه اليوم من تأييد مطلق لياسر عرمان وصحبه ومساندة لمشروع السودان الجديد وما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال من بعض رؤساء تحرير الصحف وقليل من كتاب الأعمدة يجعل الناس تتساءل، هل هؤلاء الإخوة في آذانهم وقر؟ أم أن على أبصارهم غشاوة؟ أم أنهم وقعوا في فخ «المغفل النافع»