من الصعب الحديث عن حالة مشابهة في التاريخ المعاصر، وربما القديم أيضاً، رئيس منتخب جاء عقب ثورة شعبية عارمة أطاحت رئيساً حكم البلاد لثلاثة عقود متواصلة، لكنه «أي الرئيس الجديد» يواجه نظاماً اصطلح على تسميته الدولة العميقة نظام يعمل عسكره وأمنه ومخابراته وسائر مؤسساته المدنية الفاعلة ضد الرئيس طوال الوقت. ولا يتوقف الأمر عند حرمانه من التحكم في السلطة التي يترأسها، بل يمعن فيه تشويهاً إلى درجة لا مثيل لها في التاريخ المصري. فضائيات تعمل ليل نهار على تشويه صورته وصورة عائلته. ومؤسسات تعمل على تخريب ما كان من أمر الدولة حتى تحمله المسؤولية وتضرب مصداقيته الشعبية، لاسيما بعد أن تبين أنه رجل يملك قدراً جيداً من الكاريزما التي استطاع من خلالها كسب قطاع كبير من الناس الذين لم ينتخبوه. حرب يومية شعواء كان الرجل يواجهها برباطة جأش يُحسد عليها. وجاءت جريمة سيناء ليجد فيها البعض فرصة للإمعان في ضربه وتشويهه، لكنه ما لبث أن قلب الطاولة في وجه المتآمرين عليه، فقد ذهب إلى سيناء ولم يخش الموت بينما كان مرافقوه الكبار يعيشون حالة من الذعر التي تتبدى في وجوههم. استثمر الجريمة ضد بعضهم بدل أن يستثمروها ضده، فأقال مدير المخابرت ومحافظ سيناء ورئيس الحرس الجمهوري، قبل أن يأخذ بضعة أيام أخرى ليفاجئ الجميع بقراراته التاريخية بإحالة طنطاوي وسامي عنان للتقاعد، ويجري تغييرات كبيرة في مؤسسة الجيش والأمن، وليلقي في ذات اليوم خطاباً شفهياً قوياً يؤكد فيه استمراره في المضي في برنامج الثورة التي جاءت به رئيساً لكل المصريين. ولم يكن أمامه من خيار غير هذا الخيار، ذلك أن استمرار المهزلة على النحو الذي تابعناه منذ أسابيع لم يكن ليفضي إلى وضع البلاد على سكة التغيير والأمن والاستقرار، بل سيزيد أزماتها تفاقماً، ويبدو أن هدف الفلول ودولتهم العميقة هو الوصول إلى هذه النتيجة بالتعاون مع عدد من القوى التي تعادي الإسلاميين لأسباب أيديولوجية وطائفية وحزبية، فضلاً عمن يعادونهم لأسباب مصلحية من المليارديرات الذين جمعوا أكثر ثرواتهم بالتعاون مع السلطة الفاسدة. كان أولئك جميعاً يتعاملون مع مرسي باعتباره محطة عابرة، بينما تقف من ورائهم قوى عربية لا تريد لمصر أن تتماسك بوصفها أنموذجاً للثورة الناجحة خشية وصول الربيع العربي إليها، وهي دفعت مئات الملايين من أجل إنجاح أحمد شفيق ففشلت، لكنها لم تيأس، بل واصلت دعم قوى الثورة المضادة. وما لا يقل أهمية يتمثل في القوى الدولية المناهضة للإسلاميين، والأهم الدولة العبرية التي تمكنت من إحداث اختراقات في الدولة المصرية خلال العقدين الأخيرين، وهي تحرك تلك الاختراقات ضد الرئيس وعموم الإسلاميين، وتعبث بكل ما يمكنها العبث به من أجل إفشال التجربة. ولن يكون الأمر سهلاً من دون شك، والقرارات التي اتخذها مرسي لن تكون نهاية المطاف، فالدولة العميقة ستواصل مساعيها لإفشال التجربة، بل ربما تدفعها القرارات الأخيرة إلى تصعيد الحرب، لكن الأمل يتمثل في انحياز السياسيين والثوريين الشرفاء ومن ورائهم الجماهير الطيبة للرئيس، والأهم للثورة، ومن بينها عناصر المؤسسة العسكرية والأمنية البسطاء الذين هم أبناء مصر الطيبون، لاسيما أن الأمر لا يتعلق بضابط نفذ انقلاباً على السلطة، بل برئيس منتخب جاء إثر ثورة، وسيعود إلى الناس بعد أقل من أربع سنوات ليطلب ثقتهم من جديد. إن المشكلة هنا لا تتعلق بالإسلاميين، بل بالثورة ونجاحها، ونحن لا يعنينا حزباً ولا تياراً، بقدر ما يعنينا أن يحكم مصر رجل أو رجال يعبرون عن ضميرها ويعيدون إليها دورها وحضورها العربي والإقليمي. إنها مصر التي يتماسك بتماسكها الوضع العربي برمته، وينهض بنهوضها أيضاً. هي إذن معركة طويلة وصعبة، لكننا متفائلون بوعي شعب عظيم فجَّر ثورة من أروع الثورات في التاريخ الإنساني، وسيظل جاهزاً للدفاع عنها حتى يتم تحقيق أهدافها كاملة بإذن الله.