صدر هذا الديوان للشاعرة آية وهبي في العام «2007» عن مؤسسة أروقة.. وهو الديوان الأول للشاعرة.. ومكتوب باللغة الفصحى.. وقامت بإهداء ديوانها شعرًا لمجموعة من الناس الذين تحبهم وتودهم إلى أرض غذت بالعز في العذب من فني لكل معلم يفني ربيع العمر من دنياه يعطي دونما مَن إلى أمي.. إلى من همها همي إلى أبي الذي بالحق رباني.. وقد قام بالتقديم الأول للديوان البروفيسور الحبر يوسف نور الدائم وقال: «لقد فاجأتني بنتنا آية بما تملك من موهبة نادرة استطاعت بها أن تلوي عنان القريض فإذا هو سلس منساب.. ينثال عليها بلا كد واجهاد وتكلّف.. أو كما قالت هي في بعض شعرها «هو قول صدق ليس بالمتكلف» جربت الشاعرة آية في هذه المخطوطة ألوانًا من الأوزان وضروبًا من الأغراض.. فيه شعر تفعيلة أنصحها أن تتجافى عنه شيئًا رغم رواجه ونفاقه عند بعضهم وأبشرها بمقام محمود في بحبوحة الشعر الرصين ان هي دأبت على النهل من القرآن الكريم كتاب العربية الأول، ودواوين الشعر العربي القديم وما خلفه السلف من إرث كريم في ميادين اللغة والأدب والنقد، وفي المخطوطة من البحور التي ركبتها الشاعرة كبحر الكامل والوافر والبسيط والرمل.. ومن الأغراض التي تناولتها قضايا الأمة الإسلامية كقضية فلسطين، وقضية الاستمساك بالأصول، ومواجهة تحديات العصر في مجال الفكر والنظر ومنها المديح ومنها فن المجاراة ولا سيما لأستاذها محمد الواثق يوسف مصطفى الذي نقضت بعض قصائده في هجاء مدينة أم درمان واعتذرت إليه بما يذكرك بنابغة بني ذبيان: لا أنطق الله صوتي إن أسأت لكم ولا أدام عليّ الأمن في داري. وفي المقدمة الثانية للديوان كتب الدكتور محمد الواثق يقول قصيدتها.. «خيال كان مفترقًا إلى مداخل» لا تبتئس قف عند ذاك النهر واسرح في خيالك اخلق لنفسك جنة كي لا تضيق بك المسالك المرء إن أثقل همًا عد في التقدير هالك أو ليس خيرًا من عذابك أن تحلق في خيالك كانت هذه بشارة الانعتاق إلى الجوانية: أن تحلق في خيالك واقفًا عند ذاك النهر كيلا تضيق بك المسالك، بيد أن المسالك عند آية لم تفض إلى تمرد التهويم الشبابي الباكر، ثم ما انفعلت به من حراك المجتمع تكور عندها في شعر الحادثة السياسية فصار الشعر مظاهرة وموكبًا.. قصيدة «على لسان ثائر» جاء في مقدمتها: «العدوان الأمريكي على البلاد.. أطفالاً ونساء ورجالاً.. وخراب حلّ بمصنع الشفاء» خرجت جموع الثائرين نهارًا ومضت بعزم تعلن استنكارا الشعب لا يخشاك بل يخشى الذي خلق الوجود وقدر الأقدارا ويختم مقدمته متسائلاً «ترى بعد أن اكتملت لها آلة الشعر.. إلى أين ستفضي بها مسالك الشعر.. العودة للذات المجنح بالتهويم؟ وشعر آية فعلاً يستحق الوقوف عنده كثيرًا لعدة أسباب منها ندرة الكتابة عند الشاعرة السودانية بالعربية الفصحى والالتزام بالبحور الشعرية التي وردت في علم العروض، وأيضًا امتلاء قاموسها الشعري بكثير من المفردات القديمة المنسية.. وكذلك الانفعال الفوري بما يحدث حولها اجتماعيًا أو سياسيًا بمعنى أن الموهبة النظمية جاهزة عندها لكي تنداح وتنطلق في أي وقت.. وهي موهبة شعرية لا يستهان بها وأعتقد أن هنالك عدة أشياء ساعدتها في تطوير هذه الموهبة منها حفظها وتجويدها للقرآن الكريم ومشاركتها الفاعلة في الحراك الثقافي، وتظهر المفردة القرآنية واضحة في كثير من أشعارها ثم تطويع الفصحى لتلائم المستوى العادي للقارئ، والشاعرة آية تحس بالالتزام الديني في أغلب نصوصها الشعرية، وهذا الالتزام الديني قد فتح لها أبوابا ومضامين إيمانية واسعة خاصة في الحراك السياسي والاجتماعي، ولكن أحيانًا فإن هذا الالتزام الصارم له قيوده في مجال الكتابة الإبداعية والشعر خاصة لا يقبل القيد والتكبيل ويسعي دائمًا للتمرد وكسر القيود، فالشاعرة آية في كل نصوصها الشعرية المنشورة في هذا الديوان ابتعدت تمامًا عن شعر العاطفة والكتابة عن الآخر حتى ولو كان فارسًا متخيلاً كما تفعل الشاعرة السودانية.. رغم أن الكثيرات منهن قد بدأن الخطاب الصريح لهذا الآخر «إعجابًا وحبًا ولومًا وعتابا» وهو باب واسع في التعبير شعرًا دون قيد. وهذا الالتزام الصارم أيضًا قد جعل عنوان ديوانها «خيال» أقرب إلى الكتابة المعتذرة لما تلتزم به من أفكار، أي أن كل ما ورد في هذا الديوان فهو خيال وليس حقيقة ولا يطلب النقد من الشاعرة آية أسامة أن تكتب للآخرين ما لا تحس أو تريد، ولكنها في نفس الوقت يجب أن لا تتحول إلى شاعرة مناسبات وهو شعر أقرب إلى الصنعة، وأبعد عن الفطرة، وعن الهموم الإنسانية الكونية التي لا يحدها زمان ولا مكان، وهي قادرة بموهبتها الشعرية أن تكتب نفسها بأخلاقها وليست بأخلاق الآخرين ووصايتهم.